الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ وَقَوْلُهُ ثَانِيًا وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ إلَخْ.
[بَابُ الْخِيَارِ]
(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا سَمَّاهُ إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَتْهُ وَذَلِكَ التَّصْنِيفُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيْقَظَ لِلْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمُعْضِلَاتِ أَقْوَامًا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ الْبَاهِرِ سُلْطَانُهُ.
وَهَدَاهُمْ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي عَوِيصَاتِ الْمَسَائِلِ إلَى سُلُوكِ جَادَّةِ الصَّوَابِ السَّاطِعِ بُرْهَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَكُونُ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِمَّنْ عَلَا مَكَانُهُ وَسَعِدَ بِهِ إخْوَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بَوَّأَهُ اللَّهُ مِنْ مَنَازِلِ قُرْبِهِ وَإِنْعَامِهِ مَا ارْتَفَعَ بِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّؤُون شَأْنُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ مَا دَامَتْ تَتَرَادَفُ عَلَى وَارِثِيهِ آلَاؤُهُ وَإِحْسَانُهُ. وَبَعْدُ فَقَدْ وَقَعَ فِي غُضُونِ مَا اُسْتُفْتِيتُ عَنْهُ سُؤَالٌ ظَنَنْتُ جَوَابَهُ سَهْلًا وَأَنِّي لِلْكَلَامِ فِيهِ بِبَادِئِي الرَّأْي أَكُونُ أَهْلًا حَتَّى أَحْدَقْتُ النَّظَرَ فِيهِ فَوَجَدْتُهُ صَعْبَ الْمُرْتَقَى عَالِي الذُّرَا فَلِذَلِكَ أَعْمَلْتُ الْفِكْرَ فِيهِ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِإِصَابَةِ الْفَرْضِ فِيهِ بِالْإِحَاطَةِ بِقَوَادِمِهِ وَخَوَافِيهِ لَكِنْ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لِي سَبِيلُهُ وَوَضَحَ لَدَيَّ دَلِيلُهُ.
فَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ وَإِلَّا فَالْخَطَأُ وَالْخَطَلُ وَالتَّقْصِيرُ هُوَ وَصْفِي اللَّازِمُ وَشَأْنِي الدَّائِمُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْرَدْتُهُ بِالتَّأْلِيفِ. وَزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ الْفُضَلَاءُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النُّبَلَاءُ وَسَمَّيْته إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ شَأْوَ كَمَالِهِ نَبِيٌّ أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَأْمُولَ بِسَبَبِهِ إنَّهُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أَمَّا السُّؤَالُ فَحَاصِلُهُ: إنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ ثُمَّ تَقَايَلَا. ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلَانَ الْإِقَالَةِ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنْ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرِسُ نَخْلَةٍ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. .
وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يُمْنَعُ خِيَارُهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرِسَ الْمَذْكُورَ وَإِعْطَائِهَا لَهُ أَوْ إعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَا. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَفِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَالثَّانِي فِي سُقُوطِهِ. فَاَلَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى سِهَامًا فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا فِي الْجَمِيعِ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَغَرِيبٌ جِدًّا. وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ صِحَّتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَكَأَنَّهُ لُحِظَ فِي التَّفْرِقَةِ تَعَذُّرُ تَوْزِيعُهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا خَيَّرْنَا الْمُشْتَرِيَ فَأَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرِسِ غَيْرُ الْبَائِعِ هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهُ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْخَفِيُّ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَلَكَ ذَلِكَ الْمَغْرِسَ فَعِنْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَعْرَضَ لَهُ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِيهِ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا وَمَزِيدِ الْكَشْفِ لِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ فَإِنَّ جُلَّهَا مَعْدُومٌ مِنْ قُطْرِ الْحِجَازِ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْغَرْسِ الْمَذْكُورِ هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ إذَا اتَّحَدَ الْمَبِيعُ صَفْقَةً لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ بِعَيْبٍ قَهْرًا إلَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَعْضَ قَهْرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي امْتِنَاعِ رَدِّ الْبَعْضِ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ النَّاشِئُ مِنْ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَبِمِلْكِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ يَزُولُ التَّبْعِيضُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute