الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ
قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ وَضْعِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ: وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ مُتَضَمِّنًا لِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ وُجُوبِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسْقَطُ وَهُوَ الْوَضْعُ فَلِاعْتِضَادِ قَوْلِهَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لَهُ احْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْتَجْ هِيَ إلَيْهَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا أَصْلَ فِيهَا مَعَهَا بَلْ الْأَصْلُ وَهُوَ عَدَمُ أُبُوَّتِهِ مَعَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ هُوَ إلَى بَيِّنَةٍ لَدَعْوَاهُ وِلَادَتِهَا لِدُونِ الْإِمْكَانِ لِمُوَافَقَتِهَا أَصْلِ الْعَدَمِ وَاحْتَاجَتْ هِيَ إلَى بَيِّنَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِلْإِمْكَانِ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْغَزِّيُّ لَوْ قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبِلْنَا قَوْلهَا فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَلُوقُ بِهِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ لَحِقَ الزَّوْج إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ الثَّانِي فَلَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا النِّكَاحُ فَلَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْله بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ اهـ.
فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْله هُنَا إلَّا بِبَيِّنَتِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُلْت لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا فِرَاشَهُ وَتَحَقَّقْنَا الْإِمْكَانَ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زَوْجِ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ: نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُعْتَضَد بِتَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ مِنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْله إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمُقْتَضِي لِلُّحُوقِ بِهِ هَذَا مَا فَتْح اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى أَقَلّ عَبِيدِهِ وَأَحْوَجِهِمْ إلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
[بَابُ النَّفَقَةِ]
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلِ طَاعَتِهِ وَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَأَمَرَ وَالِدَتَهُ أَنْ تَصْرِفَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِل الطَّاعَةِ فَأَقَامَتْ أَيَّامًا قَلَائِلَ ثُمَّ سَافَرَ أَهْلُهَا إلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَةِ فَسَافَرَتْ مَعَهُمْ وَلَمَّا عَادَتْ سَكَنَتْ عِنْدَهُمْ وَاسْتَمَرَّتْ وَالِدَةُ الزَّوْجِ تَدْفَعُ لَهَا دَرَاهِمَ نَقْدًا إلَى أَنْ قَدِمَ وَلَدُهَا مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ نَفَقَتُهَا مَعَ وُجُودِ سَفَرِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ الطَّاعَةِ أَمْ لَا وَهَلْ لِوَالِدَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْهَا أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ نَفَقَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَمَا أَعْطَتْهُ لَهَا وَالِدَتُهُ يَرْجِعُ هُوَ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي صَرْفِهِ إلَّا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا أَعْطَتْهَا شَيْئًا خَارِجَهُ كَانَتْ الْوَالِدَةُ مُقَصِّرَةً فَضَمِنَتْ لِوَلَدِهَا مَا فَرَّطَتْ فِيهِ وَإِذَا غَرِمَهَا وَلَدُهَا رَجَعَتْ عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَا غَرِمَتْهُ لَهُ إنْ أَعْطَتْهُ لَهَا بِظَنِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهِيَ مُتَبَرِّعَةٌ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَتْهُ لَهَا فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بِشَيْءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُج مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّكَسُّب وَنَحْو ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفِ هَدْمٍ وَعَدُوّ وَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَلِلْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ بِالنَّفَقَةِ إذَا لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ وَلِلْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُفْتِيهَا الزَّوْجُ أَوْ يَسْأَل لَهَا لَا لِعِيَادَةِ مَرِيض وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا وَلَا لِمَوْتِهِ وَشُهُودِ جِنَازَتِهِ قَالَهُ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ امْرَأَةً اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَطِيعِي زَوْجَك فَلَمْ تَخْرُج وَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لِأَبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا» .
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَقَدَ بِجُدَّةَ لِشَخْصٍ عَلَى بِنْتٍ لَهُ بِكْرٍ وَهِيَ أَيْ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ بِأَبِي عَرِيشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْج مِنْ أَبِيهَا بَلْ سَافَرَ إلَى مِصْرَ وَسَافَرَ أَبُوهَا إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ سِنِينَ وَطَالَبَ الزَّوْجَ أَبُوهَا بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْآنَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَلْزَمهُ نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ لِانْتِفَاءِ عِرْضِهَا، أَوْ عِرْضِ وَلِيِّهَا عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَمَسَ زَوْجَتَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا مَاءُ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَام الرَّافِعِيِّ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ