كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ مَحْصُورِينَ صَحَّ تَوْكِيلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ كَمَا مَرَّ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَحْصُورِينَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِيَوْمِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ لَيْسَ حَاضِر عِنْدَهَا فَيَلْزَمُ عَلَى أَخْذِ الْوَكِيلِ لَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ نَظِير مَا مَرَّ وَمَنْ يَكْتَسِبُ وَقْتَ تَصْفِيَةِ الْحُبُوبِ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ أُخْرَى تَكْفِيه يَأْخُذْ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعُمْرِ الْغَالِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ أُخْرَى تَكْفِيه فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ بَلْ بِنَحْوِ الْغُرْمِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ غَالِبًا بِالْكَسْبِ إلَّا بِالتَّدْرِيجِ فَلَمْ يُكَلَّفْ لَهُ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَمْ حَدُّ الْغَنِيِّ الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَالْيَسَارُ وَالتَّوَسُّطُ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِي النَّفَقَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدُّ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ يَكْفِيه وَيَكْفِي مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ الْعُمْرَ الْغَالِبَ بِاعْتِبَارِ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ وَبِهِمْ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَكْفِيه رِبْحُهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ صَنْعَةٌ جَائِزَةٌ يَكْفِيه دَخْلُهَا كَذَلِكَ أَوْ غَلَّةُ مَوَاضِعَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِنَحْوِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ وَالْغَنِيُّ فِي الثَّانِي هُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يُتْرَكُ لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ نِصَابًا وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ دُونَ الْعِشْرِينَ وَفَوْقَ رُبْعِ دِينَارٍ وَالْمُعْسِرُ فِي الثَّالِثِ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا إذْ الْأَصْلُ ثَمَّ حُرْمَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُسَوِّغٌ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لَا مُسَوِّغَ وَالْأَصْلُ هُنَا عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَدِّ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُوجِبٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ لَكِنَّهُ مَتَى كُلِّفَ بِالدَّيْنِ صَارَ مِسْكِينًا وَالْمُوسِرُ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَوْ كُلِّفَهُمَا لَمْ يَصِرْ مِسْكِينًا.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَفْضُلُ الذِّكْرُ الصَّدَقَةَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُصَرِّحُ بِتَفْضِيلِهِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ «أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ» وَالتِّرْمِذِيُّ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً» وَالْبَيْهَقِيُّ «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنْذُ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» .
[بَابُ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ تَحْرِيمُ الشِّعْرِ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْخُصُوصِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَحْثًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ لِمَا قَالَهُ بِقَوْلِهِ إذْ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ لِأَجْلِهِ الشِّعْرُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودٌ فِي بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاء فَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ. وَمَا ادَّعَاهُ مَمْنُوعٌ بَلْ ادِّعَاؤُهُ لِذَلِكَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَرُمَ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِهِ التَّوَصُّلُ إلَى تَعَلُّمِ الشِّعْرِ وَرِوَايَتِهِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ زَمَنِ بَعْثَتِهِ كَانُوا فُصَحَاءَ الْعَرَبِ وَفُرْسَانَ مَيَادِينِ بَلَاغَتِهَا وَكَانَ الشِّعْرُ مِنْ أَعْلَى فَخْرِهِمْ إذْ يَتَوَصَّلُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَى كُلِّ كَمَالٍ عِنْدَهُمْ وَكَانُوا لَا يَعُدُّونَ فَصِيحًا وَبَلِيغًا غَيْرَ مُجِيدِهِ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّةُ تَحْرِيمَ هَذَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ أُمِّيًّا مَحْضًا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ حَتَّى تَنْقَطِعَ قَالَةُ النَّاس أَيْ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ لَمْ يُسْلَبُوا مَشَاعِرَ الْهِدَايَةِ فِيهِ وَفِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَتَمَحَّضُ مُعْجِزَتُهُ وَفَصَاحَتُهُ الَّتِي قَهَرَتْ سَائِرَ الْفُصَحَاءِ وَجَمِيعَ الْبُلَغَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَلَوْ جَازَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّعْرُ مَا تَمَّتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الْبَاهِرَاتُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَلْحَقُونَ بِهِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute