وَلَا ذَمَّ فِيهِ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الظَّاهِرَةِ وَحَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ كُرِهَ التَّكَلُّفُ لِأَنَّهُ يَخْرُج غَالِبًا إلَى حَيِّزِ الرِّيَاءِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالصَّالِحُونَ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْأَنْوَارِ فِي الْوَلِيمَةِ الْعَاشِرُ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَلَاهِي وَالنِّسَاءِ عَلَى السُّقُوفِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ حُضُورِ مَكَان بِهِ نِسَاءٌ يُشْرِفْنَ عَلَى الرِّجَالِ وَبِالْأَوْلَى إذَا كُنَّ فِي خِلَالِ الرِّجَالِ أَوْ بِجَانِبِهِمْ فَهَلْ هَذَا مُعْتَمَدٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا جَمْعٌ أَنَّ وُجُودَ النِّسَاءِ بِمَحَلٍّ يَنْظُرْنَ الرِّجَالَ نَظَرًا مُحَرَّمًا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ إذْ نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ حَرَامٌ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْحُضُورِ فَلَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ حُرْمَةُ حُضُورِ الْمُنْكَرِ اخْتِيَارًا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ أَنْ يُعْلَمَ تَعَمُّدُ نَظَرِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَهُ نَظَرًا مُحَرَّمًا وَعِلْمُ ذَلِكَ بَعِيدٌ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُنَّ يَنْظُرْنَ نَظَرًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَأَنْ يَقْصُرْنَ نَظَرَهُنَّ عَلَى غَيْرِ الْبَدَنِ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ أَوْ يُقَلِّدْنَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ وَكَمَا اُحْتُمِلَ فِي نَظَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِلْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ نَحْو ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ قُلْت لَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ الْحُضُورِ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ حِينَئِذٍ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ النِّسَاءِ وَنَظَرَهُنَّ إلَى الرِّجَالِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ فَيُسَمَّى مُنْكَرًا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ حِينَئِذٍ مِنْهُنَّ نَظَرٌ مُحَرَّمٌ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَرَّرُوهُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ سَافِرَاتٍ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْحُضُورُ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَظَرٌ مُحَرَّمٌ إلَيْهِ قُلْت قَدْ قَيَّدْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْإِعَانَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ اخْتِيَارًا مُحَرَّمَانِ بِمَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ أَنَّ أَجْنَبِيًّا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرًا مُحَرَّمًا وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهَا بَقَاءُ كَشْفِ وَجْهِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِأَنَّ قُدْرَتَهَا عَلَى سَتْرِهِ مِنْهُ يُصَيِّرُهَا إذَا لَمْ تَسْتُرْهُ مُعِينَةً لَهُ عَلَى مُحَرَّمٍ وَمُمَكِّنَةً لَهُ مِنْهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ تَمْكِين الْحَلِيلِ الْمُحَرَّم مِنْ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرًا مُحَرَّمًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ النَّاظِرَ عَلَيْهِ غَضُّ الْبَصَرِ فَلَا يُكَلَّفُ الْمَنْظُورُ التَّحَفُّظَ مِنْهُ وَهَذَا خَيَالٌ بَاطِلٌ وَحَالٌ حَائِلٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ عَطْفًا عَلَى الْأَعْذَارِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زِحَامٌ يُؤْذِي خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ أَوْ نِسَاءٌ بِنَحْوِ أَسْطِحَةِ الدَّارِ أَوْ مَرَافِقِهَا يَنْظُرْنَ لِلرِّجَالِ أَوْ يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَحْرُمُ حُضُورُ الْمُنْكَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا قَالَ النَّاشِرِيّ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَغَيْرُهُ فِي النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ إنْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْفَاعِلُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَأَنْ رَأَى شَافِعِيٌّ حَنَفِيًّا جَالِسًا عَلَى حَرِيرٍ أَوْ شَارِبًا لِنَبِيذٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْرُمُ الْحُضُورُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّافِعِيِّ إنْكَار ذَلِكَ عَلَى الْحَنَفِيِّ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا إنْ أَرْشَدَهُ بِلُطْفٍ إلَى رِعَايَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِذَا لَمْ يَجِبُ الْإِنْكَار لَمْ يَحْرُمْ الْحُضُورُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْكَار جَوَازُ التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ عِنْدَهُ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ قُلْت كَيْف يُقِرُّهُ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ وَهُوَ لَوْ رُفِعَ لِشَافِعِيٍّ حَدَّهُ عَلَيْهِ قُلْت حَدُّ الشَّافِعِيِّ لَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِكَوْنِ الْحَنَفِيِّ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِ نَفْسِهِ وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ دَلِيلِهِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقَاضِي بِعَقِيدَتِهِ لَا بِعَقِيدَةِ الْمُتَرَافِعِينَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَفِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُنْكَرَ جَاهِلًا بِهِ نَهَى مُرْتَكِبَهُ مَا لَمْ يَعْتَقِدُوا حِلَّهُ كَحَنَفِيَّةٍ يَشْرَبُونَ نَبِيذًا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَا يَشْكُل عَلَيْهِ حَدُّ الْحَنَفِيِّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ لِمَا يَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لَمَا قَدَّمْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ]
(وَسُئِلَ) فِيمَا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا فَأَعْطَاهَا هَلْ تَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ لِأَنَّهَا أَخَذَتْهُ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ فَهُوَ كَالرِّشْوَةِ إذَا أَخَذَهَا