عَنْ مَالٍ خَوْفًا بِسَبَبِ حُصُولِ خَيْلِنَا وَرِكَابِنَا وَضَرْبِ مُعَسْكَرِنَا بِدَارِهِمْ كَانَ فَيْئًا لَا غَنِيمَةً مَعَ وُجُودِ الْإِيجَافِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ جِهَادٌ وَغَيْرُهُ فَلَوْ غَزَا نَحْوُ صِبْيَانٍ أَوْ عَبِيدٍ كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ كَامِلٌ وَإِلَّا كَانَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لَهُ وَرُضِخَ لَهُمْ وَمَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ أَوْ نَحْوِ سَرِقَةٍ اخْتَصُّوا بِهِ فَلَا يُخَمَّسُ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفُوزُونَ بِجَمِيعِهِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حِلِّ وَطْء السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ جَالِبَهُنَّ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمٌ حَتَّى يَكُونَ خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بَلْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ جَالِبَهَا ذِمِّيٌّ فَلَا تُخَمَّسُ عَلَيْهِ بَلْ يَمْلِكُهَا جَمِيعًا وَيَحِلُّ لَهُ وَلِمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَإِذَا اُحْتُمِلَ وَاحْتُمِلَ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَأَيْضًا فَجَلْبُ الْمُسْلِمِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ثُبُوتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ جَالِبِهَا مُسْلِمًا حُرْمَتُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَوْمٍ وَهَرَبَ وَمَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَخْذَ كَذَلِكَ لَا تَخْمِيسَ عَلَى فَاعِلِهِ هَذَا مَا تَلَخَّصَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الِاشْتِغَالِ وَشُغْلِ الْبَالِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ تَحْتَمِلُ مِنْ الْبَسْطِ أَزْيَدَ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ لَكِنْ لَعَلَّ فِيهِ وَفَاءً بِمَقْصُودِ السَّائِلِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِلَّا فَبَابُ تَجْدِيدِ السُّؤَالِ مَفْتُوحٌ وَإِنْ شَطَّ الْمَزَارُ وَبَعُدَتْ الدِّيَارُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَنَى بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ نَفْعٌ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَحْصِيلِهِ حَتَّى يُسَهِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُصُولَهُ أَوْ حُصُولَ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَسَبِ بَذْلِ هِمَّتِهِ وَصَفَاءِ طَوِيَّتِهِ وَكَمَالِ قَابِلِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ ذِمِّيٍّ خَلَّفَ وَرَثَةً لَا يَسْتَغْرِقُونَ تَرِكَتَهُ فَهَلْ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لِنَائِبِ بَيْتِ الْمَالِ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَافُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي كِتَابِهِ كَشْفُ الْغُمَّةِ فِي تَوْرِيثِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا نُقِلَ عَنْ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآن الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْمَوْسِمِ وَعَوَارِضِهِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْفَيْءِ مُصَرَّحٌ بِهِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ مَالَ الذِّمِّيِّ الْمَذْكُورِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى مُرَافَعَةٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ عَدُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِهَا فَإِطْلَاقُهُمْ عَدّه مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُرَافَعَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَهَا هُنَا لَا مَعْنَى لَهُ وَقَدْ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُجْرَى فِي إرْثِ الذِّمِّيِّ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَيْ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنهمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا وَالذِّمِّيُّ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا وَالتَّغَايُرُ بَيْنهمَا ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ]
(وَسُئِلَ) إذَا أَرَادَ الْفَرْعُ أَنْ يُعْطِيَ أَصْلَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ شَيْئًا مِنْ فِطْرَتِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِكَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا بِمَا لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ إطْلَاق اسْمُ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَقْتَ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ عِنْدَ لُزُومِ مُؤْنَتِهِ لَهُ لِأَنَّ فِي الْإِعْطَاءِ حِينَئِذٍ إسْقَاطُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا حَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ فَلَا مَحْذُورَ فِي إعْطَائِهِ مِنْ زَكَاتِهِ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ أَفْضَلَ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْقَسْمِ لِتَعَسُّرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي وَنَصْبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُمْ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَّا إلَى وَلِيِّ نَحْوِ الصَّبِيِّ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ لَا يُفْتَى بِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بَلْ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَّ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ شَخْصٍ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ اعْلَمْ