للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَرَبُ إذَا أَرَادَتْ أَمْرًا جَاءَتْ إلَى وَكْرِ الطَّيْرِ فَنَفَرَتْهُ فَإِنْ تَيَامَنَ يَمَّنَتْ بِهِ وَسَمَّتْهُ الشَّامِخَ وَمَضَتْ لِمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَيَاسَرَ سَمَّتْهُ الْبَارِحَ وَتَشَاءَمَتْ بِهِ وَتَرَكَتْهُ فَزَجَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُورِدْ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجُلُ الْمَرِيضُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا الْمُمْرِضُ الَّذِي مَرِضَتْ مَاشِيَتُهُ وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَلَيْسَ النَّهْيُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدَى الصِّحَاحَ وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الصِّحَاحَ إذَا مَرِضَتْ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى يُوقِعُ فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَدْوَى فَيَفْتِنُهُ ذَلِكَ وَيُشَكِّكُهُ فِي أَمْرِهِ فَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهِ وَالْمُبَاعَدَةِ عَنْهُ لِذَلِكَ لَا لِلْعَدْوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ وَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا وَأَنَّهَا بِكْرٌ فَأَنْكَرَ وَقَالَ إنَّهُ قَدْ افْتَضَّهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا بِكْرٌ فَهَلْ تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ أَنَّهُ عِنِّينٌ وَإِذَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَضَرَبَ لَهَا الْقَاضِي الْمُدَّة الْمَعْرُوفَةَ وَانْقَضَتْ فَهَلْ تَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ فَاخْتَارِي وَكَيْف لَفْظُ الْفَسْخِ الْمُعْتَبَرِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِير وَفِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لَكِنْ لَا تَحْلِفُ إلَّا إنْ طَلَبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا عَلَى الرَّاجِحِ أَيْضًا.

لِأَنَّ زَوْجَهَا وَهُوَ الْخَصْمُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الدَّعْوَى فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ لَهُ بِتَحْلِيفِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ ثُمَّ إنْ حَلَفَتْ بَعْد شَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْأَرْبَع بِالْبَكَارَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزِلْ بَكَارَتَهَا فَلَهَا الْفَسْخُ بِعُنَّتِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ وَلَا خِيَار لَهَا فَإِنْ نَكَلَ هُوَ أَيْضًا فَسَخَتْ بِلَا يَمِينٍ وَلَيْسَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ الْمُجَرَّدِ بَلْ لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِبَكَارَتِهَا الْمُعْتَضِدَةِ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي تَضَمَّنَّهُ نُكُوله قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ إلَّا بَعْد قَوْلِ الْقَاضِي لَهَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ ثُبُوتًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَاخْتَارِي فَتَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ اهـ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَاخْتَارِي لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ فَاخْتَارِي مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَيْفِيَّةُ لَفْظِ الْفَسْخِ أَنْ تَقُولَ فَسَخْت نِكَاحَ فُلَانٍ لِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابٌ فِي الصَّدَاقِ]

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً وَأَجَابُوهُ فَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ يُسَمَّى الْجِهَازَ هَلْ تَمْلِكُهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْخَاطِبِ الدَّافِعِ فَإِنْ دَفَعَ بِنِيَّةِ الْهَدِيَّةِ مَلَكَتْهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ بِنِيَّةِ حُسْبَانِهِ مِنْ الْمَهْر حُسِبَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ زَوَاجٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَمْلِكهُ وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهَا.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ مُذَكَّاةٌ مَا حُكْمُ الْعَقْدِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَاللَّازِمُ لَهُ هُوَ الْخَلُّ وَالْعَبْد وَالْمُذَكَّاةُ لِلْقَاعِدَةِ عِنْدنَا أَنَّ الْإِشَارَة لِعَدَمِ تَطَرُّقِ الْخَطَإِ إلَيْهَا أَقْوَى مِنْ الْعِبَارَةِ الَّتِي قَدْ تُخْطِئُ وَقَدْ تُصِيبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا هَلْ تَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ حَالًا وَهَلْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ حَالًا بَلْ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو شُكَيْل فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالْبُسْتِيّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إنْ قُلْنَا بِسُقُوطِهَا بِالرَّجْعَةِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ فَالْوَجْهُ وُجُوبُهَا فَوْرًا مُطْلَقًا وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الرَّاعِي وَالْبَدْر بْن شُهْبَةَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ سَبَبَ إيجَابِهَا الْإِيحَاشُ وَالِابْتِذَالُ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ بَعْد مُرَاجَعَةٍ تَكَرَّرَتْ بِهَا الْمُتْعَةُ وَقَالَ الْقَاضِي بْنُ كَثِيرٍ تَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْخَيَّاطِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَأَبِي شُكَيْل وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَثُرَ كَلَامُ النَّاسِ فِي الْهَدِيَّةِ الَّتِي يُهْدِيهَا الْخَاطِبُ وَالزَّوْجُ لِأَهْلِ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ الزَّوْجَةِ مِنْ الْقُمَاشِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَحْصُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>