طَالَبَهُ الْآخَرُ بِهَا بَلْ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَرْبَعِينَ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ تَعِبَ بَعْضُهُمْ فِي تَحْرِيرِهِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ التَّفْلِيسِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أَعَسَرَ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتِ وَالْأَعْيَانِ وَرُءُوسِ أَهْلِ الزَّمَانِ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ دَائِنِيهِ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ حَنَفِيٍّ فَالْتَمَسَ الْحَاكِمُ جَوَابَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ حَالٌّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى وَفَائِهِ وَلَا عَلَى بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ فَالْتَمَسَ الْحَاكِمُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةَ إعْسَارِهِ وَأَحْضَرَ لَهُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ مِمَّنْ يُعْرَفُ حَالَةُ إعْسَارِهِ فَاسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى الْحَاكِمُ الْمُشَارُ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِإِعْسَارِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهَلْ لِأَحَدٍ مِنْ دَائِنِيهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَمِعَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ وَهَلْ إذَا سَمِعَ بِالْإِعْسَارِ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لَا وَهَلْ يَبْقَى لِلْمُعْسِرِ دَسْتُ ثِيَابٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مَتَى ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكُوبُهُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ كُتُبُهُ وَبُسُطُهُ وَفُرُشُهُ وَيُتْرَكُ لَهُ الْحَقِيرُ مِنْ لُبَدٍ وَحَصِيرٍ وَلِبَاسٍ لَائِقٍ بِهِ وَبِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى الطَّيْلَسَان وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ مَا يَقِيه الْبَرْدَ وَلَوْ تَعَوَّدَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ أَوْ تَعَوَّدَ دُونَ اللَّائِقِ بِهِ لَمْ يُعْطَ إلَّا مَا تَعَوَّدَ بِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ وَلِمُمَوَّنِهِ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ فَقَطْ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مَعَ الْمُعْسَرِ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَأُعْطِيَ لِغُرَمَائِهِ وَلَمْ يُتْرَكْ مِنْهُ إلَّا مَا ذُكِرَ وَمِنْهُ (قُوتُ) يَوْمِ الْقِسْمَةِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْقَاضِي يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَوْ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلسَّائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعِ بَلْ الْمُمْتَنِعُ أَوْلَى فَهَلْ مَا اشْتَرَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا مُوَافِقٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مَعَ قِيَامِ الِامْتِنَاعِ إذْ الْوَفَاءُ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالِامْتِنَاعُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ فَلَمْ يَعُدْ بَيْعُ الْقَاضِي لِمَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ شَيْئًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ الْفُقَهَاءِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْفَلَسِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَصَرَفَهُ فِي دَيْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ هَذَا الْحَاكِمِ أَوْ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ.
وَمِنْ تَصْرِيحِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْأَزْرَقِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْفَلَسِ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ هَذَا الْحَاكِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي كِتَاب النِّكَاحِ اهـ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ الْغَائِبِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ عِنْدِ الطَّلَبِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمُفْلِسَ وَالْمُمْتَنِعَ حَيْثُ كَانَا حَاضِرَيْنِ بِالْبَلَدِ سَاغَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَاضِرًا لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَحَلِّ مَالِهِ وَحَيْثُ كَانَ غَائِبًا نُظِرَ إلَى مَحَلِّ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعِ وَأَنَّ مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعَ ثُمَّ غَابَ فَيَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمُمْتَنِعِ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مَدِينٍ مَلَّكَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ هِبَةً أَوْ مَجَّانًا لِآخَرَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا لَهُ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ فِرَارٌ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَمْلِيكُهُ وَإِقْرَارُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ بَلْ وَإِنْ تَحَقَّقَ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute