للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَحْجُبُ حَجَبْتَهُ كَمَا تَعْمَل فِي مَسَائِلِ الصُّلْبِ فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ اعْتَبَرَ الِاسْتِوَاءَ فِي الدَّرَجَةِ وَالسَّبْقِ إلَى الْوَارِثِ بَعْد تَنْزِيلِ الْفَرْعِ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ لَا قَبْلَهُ تَجِدْهُ شَاهِدًا لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ عَدَمِ حَجْبِ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا بَعْدَ تَنْزِيلِ ابْنِ الْخَالَةِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكَلَةٌ وَأَنَّ فِي كَلَامِهِمْ ظَوَاهِرُ تَقْتَضِي حَجْبَ الْخَالِ لِوَلَدِ الْخَالَةِ وَظَوَاهِرُ تَقْتَضِي عَكْسَهُ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ مِنْ مَدَارِكِهِمْ بِبَادِي الرَّأْيِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّرَ بَعْضُهُمْ مُدَّةً لِلْمَفْقُودِ بِسَبْعِينَ سَنَةً فَهَلْ تَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ أَمْ كَيْف الْحَالُ أَفْتُونَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْحَاكِمِ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَوْتُهُ فِي أَقَلِّ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً نَعَمْ التَّقْدِيرُ بِهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ» ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الشَّهَادَاتِ]

(مَسْأَلَة) قَالَ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ مَا لَفْظُهُ نَجِدُ كِتَابَ مُبَايَعَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِعَقَارِ أَوْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى حُدُودٍ يَقَعُ اخْتِلَافٌ فِي تِلْكَ الْحُدُودِ وَبَطَلَتْ مِنَّا إثْبَاتُ تِلْكَ الْحُدُودِ كَمَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَمَا فَعَلَتُهُ قَطُّ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ نَحْوِهِمَا هُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ عَلَى الْمَحْدُودِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَارِفًا بِتِلْكَ الْحُدُودِ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا سَمِعَ لَفْظَ الْعَاقِدِ فَاَلَّذِي شَهِدَ بِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ وَالْحُدُودُ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَظُهُورُهُ فِي الْأَقَارِيرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَفِي الْعُقُودِ دُونَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعَقْدِ مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَحِكَايَتِهِ عَنْ حُضُورِهِ الْعَقْدَ وَسَمَاعِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ بِالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ لَا بِالْإِقْرَارِ بِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَبِيعِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ.

لَكِنَّا نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي مَعْرِفَتِهِ لِلْمَبِيعِ وَالْمَوْقُوفِ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ الْبَلَدَ أَوْ الدَّارَ الَّتِي حَدُّهَا كَذَا وَلَا يَكُونُ عِنْد الشَّاهِدِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَحْدُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَا حُدُودَهُ يَبْقَى عَلَيْنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَدْ يُشْكِلُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَكَثِيرًا مَا يَقَعُ هَذَا فِي كُتُبِ الْمُبَايَعَاتِ وَالْأَوْقَافِ مُسْتَقِلًّا تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا مَالِكٌ حَائِزٌ لِلْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ الَّذِي حُدُودُهُ كَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي حُدُودِهِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَالشُّهُودُ قَدْ مَاتُوا بَعْدَ أَنْ قَدْ ثَبَتَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَقْصِدُ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَكْتُوبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فِي الْحُدُودِ وَيَنْزِعُ مِنْ صَاحِبِ يَدٍ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ وَيَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ الْحُدُودِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمُقْتَضَى مَكْتُوبِهِ وَقَدْ طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ فَلَمْ أَفْعَلْهُ لِأَنِّي أَعْلَمُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَعْلَمُ مِلْكَ زَيْدٍ لِلْبَلَدِ الْفُلَانِيّ مَثَلًا عِلْمًا يُسَوِّغُ لَهُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ وَذَلِكَ الْبَلَدُ مُشْتَهِرٌ وَتَحْقِيقُ حُدُودِهِ قَدْ لَا يُحِيطُ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهَا فَيَسْتَسْمِيهَا مِمَّنْ هُوَ يَعْرِفُهَا هَكَذَا رَأَيْنَا الْعَادَةَ كَمَا يَشْهَدُ عَلَى زَيْدٍ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَيَتَحَقَّقهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ نَسَبَهُ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فِيهِ فَالتَّمَسُّكُ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ كَالتَّمَسُّكِ فِي إثْبَاتِ الشَّرَفِ وَنَحْوِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ بِحَقٍّ لَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ يَدَهُ عَادِيَةُ وَلَا يُعْتَمَدُ فِي رَفْعِ يَدِهِ عَلَى كِتَابٍ قَدِيمٍ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا يُدْرَى مُسْتَنَدُهَا وَقَالَ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى كَثِيرًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهَا وَتَكَرَّرَتْ فِي الْمُحَاكِمَاتِ كَثِيرًا يَأْتِي كِتَابُ مُبَايَعَةٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى عَقَارٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى حُدُودٍ وَصِفَاتٍ وَيَجْرِي نِزَاعٌ فِي تِلْكَ الْحُدُودِ وَيُوجَد بَعْضُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ غَيْر الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَيُرَاد انْتِزَاعُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِمُقْتَضَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَيَكُون الْكِتَابُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً.

وَذَلِكَ الْكِتَابُ ثَابِتٌ وَقَدْ قَامَتْ فِيهِ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ وَعِنْدِي تَوَقُّفٌ فِي الِانْتِزَاعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ صَرِيحَةٌ أَنَّ هَذَا الْعَقَارَ الْمَبِيعَ أَوْ الْمَوْقُوفَ مِلْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>