للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَلْقَاهُ رَاضِيًا عَنَّا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا اشْتَرَكَا فِي سُبُعَيْ بَدَنَةٍ هَلْ يَمْتَنِعُ كَاشْتِرَاكِهِمَا فِي شَاتَيْنِ أَوْ يَفْرُقُ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الشَّاتَيْنِ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِإِرَاقَةِ دَمٍ كَامِلٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ وَإِنْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الشَّرِكَتَيْنِ لِكُلٍّ دَمٌ لِأَنَّهُ دَمٌ مُلَفَّقٌ وَهُوَ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى عَدَمِ التَّلْفِيقِ وَأَمَّا فِي السُّبْعَيْنِ مِنْ الْبَدَنَةِ فَالتَّفْلِيقُ حَاصِلٌ فِي دَمِهَا سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا كُلَّ سُبْعٍ عَنْ وَاحِدٍ وَسُبُعًا عَنْ اثْنَيْنِ وَسُبُعًا عَنْ آخَرَ فَإِنْ قُلْت هَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَمَا بَالُك قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْت لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا كُلَّ سُبُعٍ مَنْزِلَةَ شَاةٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا ذُكِرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْبَدَنَةِ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ الضَّحِيَّةَ أَوْ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ أَوْ الْمَنْدُوبَ أُجْبِرَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَمْنَعُ مُرِيدَ الْمَنْدُوبِ أَوْ الْوَاجِبَ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ مُنَزِّلُونَ كُلَّ سُبُعٍ مَنْزِلَةَ شَاةٍ فَمَا قَالُوهُ فِي الشَّاتَيْنِ مِنْ مَنْعِ الِاشْتِرَاكِ يَأْتِي فِي السُّبْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ أَيَّامَ الْأُضْحِيَّةِ بِنِيَّتِهَا وَنِيَّةِ الْعَقِيقَةِ فَهَلْ يَحْصُلَانِ أَوْ لَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَجَرَيْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا وَلَهَا سَبَبٌ يُخَالِفُ سَبَبَ الْأُخْرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأُخْرَى إذْ الْأُضْحِيَّةُ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ وَالْعَقِيقَةُ فِدَاءٌ عَنْ الْوَلَدِ إذْ بِهَا نُمُوُّهُ وَصَلَاحُهُ وَرَجَاءُ بِرِّهِ وَشَفَاعَتِهِ.

وَبِالْقَوْلِ بِالتَّدَاخُلِ يَبْطُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِهِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي سُنَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْعِيدِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُهَا فَهِيَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بَلْ لِعَدَمِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِصَلَاةِ غَيْرِهَا وَكَذَا صَوْمُ نَحْوِ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إحْيَاءُ هَذَا الْيَوْمِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَيِّ صَوْمٍ وَقَعَ فِيهِ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ فَلَيْسَتَا كَذَلِكَ كَمَا ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَالْكَلَامُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ أَوْ سُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَمَّا لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ مِنْهَا ضَحِيَّةٌ وَعَقِيقَةٌ وَالْبَاقِي كَفَّارَاتٌ فِي نَحْوِ الْحَلْقِ فِي النُّسُكِ فَيُجْزِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاخُلِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ سُبُعٍ يَقَعُ مُجْزِيًا عَمَّا نُوِيَ بِهِ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ وَلَوْ فِي بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ يَتَأَدَّ بِهَا.

أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. اهـ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي التَّدَاخُلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَأَوْلَى مَعَ اخْتِلَافِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ مَا حُكْمُ حَلْقِ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ.

(فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ حَلْقُ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فِي اللِّحْيَةِ وَالنَّقْصُ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ مِنْ شَعْرِ الصُّدْغَيْنِ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ وَيَنْزِلُ فَيَحْلِقُ بَعْضَ الْعِذَارَيْنِ قَالَ كَذَلِكَ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُغَيِّرُ شَيْئًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا بَأْسَ بِحَلْقِ مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ وَلَا بِنَقْصِ مَا زَادَ عَنْهَا عَلَى قَبْضَةِ الْيَدِ وَيُرْوَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ وَطَاوُسٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ كَمَا تَرَى فِي كَرَاهَةِ حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ اللِّحْيَةِ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ اللِّحْيَةِ كَالشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الْحُلْقُومِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَلْقُهُ كَمَا أَفْهَمَهُ تَقْيِيدُ النَّوَوِيِّ كَالْغَزَالِيِّ بِقَوْلِهِمَا مِنْ اللِّحْيَةِ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَبْلَ ذَلِكَ

وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ إذَا طَالَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَكُرِهَ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَكَانَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>