للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَزِمَهُ. إعَادَةُ الْخُطْبَةِ وَأَنَّ جُلُوسَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي الْأُولَى سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ خَطِيبٍ يَتْرُكُ لُبْسَ الطَّيْلَسَانِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ هَلْ زَعْمُهُ صَوَابٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ مَا زَعَمَهُ بِصَوَابٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَلِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُؤَلَّفٌ مُسْتَقِلٌّ فِي سُنِّيَّةِ لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ جَمَعَ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَ مَا فِيهَا وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَشَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ. وَلَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ - سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ - يُدِيمُ لُبْسَهُ أَوَّلَ أَمْرِهِ فِي دُرُوسِهِ وَغَيْرِهَا فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مَنْ لَهُ اعْتِيَادٌ مَا بِالْحَدِيثِ فَبَالَغَ الشَّيْخُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نَدْبِ لُبْسِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْمُنْكِرِ أَمَا تُنْكِرُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ كَذَا وَكَذَا وَبَيَّنَ لَهُ أُمُورًا مُجْمَعًا عَلَى ذَمِّهَا فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لِلنَّاسِ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَى الْجَلَالِ فِي إدَامَةِ لُبْسِهِ فِي سَائِرِ الْمَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا صَنَّفَ فِيهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُمَا وَسَائِرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.

[بَابُ اللِّبَاسِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ فَتْخَةِ الْفِضَّةِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَنَا بِالْحَلْقَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهَا أَمْ لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْخَاتَمِ لُغَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ وَلَمْ يُجَوِّزُوا لِلرَّجُلِ لُبْسَ شَيْءٍ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ إلَّا الْخَاتَمَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَاتَمًا كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ كَلَامُهُ بِمَعْنَاهُ لَكِنْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ الْحَلْقَةَ خَاتَمٌ بِلَا فَصٍّ فَسَمَّاهَا خَاتَمًا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُونَا مَتَّعَ اللَّهُ بِكُمْ الْمُسْلِمِينَ؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ جَوَازُ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بَلْ نَدْبُهُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ مَا لَهُ فَصٌّ وَمَا لَا فَصَّ لَهُ فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِمَّا لَهُ فَصٌّ وَمَا لَا فَصَّ لَهُ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ خَاتَمًا وَإِنْ كَانَ الْخَاتَمُ لُغَةً لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَا لَهُ فَصٌّ فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْفَتْخَةُ بِالتَّحْرِيكِ حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ لَا فَصَّ فِيهَا فَإِذَا كَانَ فِيهَا فَصٌّ فَهِيَ الْخَاتَمُ. اهـ. فَأَفْهَمَ أَنَّ الْحَلْقَةَ غَيْرُ الْخَاتَمِ لُغَةً فَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ أَنَّ الْخَاتَمَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَصُّ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ جَوَازِ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَزَعْمُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ يَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ عَدَمَ دُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْخَاتَمِ لُغَةً لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِحِلِّ مَا لَا فَصَّ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَاتَمًا لُغَةً فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِالْخَاتَمِ فِي كَلَامِهِمْ الْخَاتَمَ فِي اللُّغَةِ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَانْدَفَعَ نَظَرُهُ بِلَمْ يُسَمَّ خَاتَمًا لُغَةً وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَهُ خَاتَمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَصٌّ وَاللُّغَوِيِّينَ يَخُصُّونَ اسْمَ الْخَاتَمِ بِمَا لَهُ فَصٌّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا فَصَّ لَهُ اسْمُ الْخَاتَمِ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ.

فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ حَرَامٌ وَعَكْسُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» قُلْت إنَّمَا يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ بِلُبْسِ زِيِّهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ اللَّازِمِ فِي حَقِّهِنَّ كَلُبْسِ السِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بِلَا فَصٍّ وَهُوَ الْحَلْقَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شِعَارِهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ فَإِنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَى الرَّافِعِيِّ الْفَاهِمُ مِنْ هَذَا النَّصِّ تَبَعًا لِلشَّاشِيِّ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِهِنَّ مَكْرُوهٌ فَقَطْ وَلَيْسَ كَمَا قَالَاهُ بَلْ الصَّوَابُ الْحُرْمَةُ وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ. اهـ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ: الْحَلْقَةُ الْمَذْكُورَةِ إنْ سُلِّمَ أَنَّهَا زِيٌّ لَهُنَّ أَيْ مِنْ جِنْسِ زِيِّهِنَّ لَا أَنَّهَا بِهِنَّ لَازِمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>