وَالْإِمْسَاكِ وَإِنْ سُمِّيَا صَلَاةً وَصَوْمًا لُغَةً وَإِلَّا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يُعْنَ بِهِ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ الْوَطْءِ.
وَلَوْ قَالَ إنْ رَأَيْتِ الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرُهَا وَعَلِمَتْ بِهِ طَلُقَتْ إذْ الرُّؤْيَةُ شَرْعًا بِمَعْنَى الْعِلْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوْ نَكَحَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ رَاجَعَ هَازِلًا وَإِنْ عَدَّ ذَلِكَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَغْوًا لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ حُكْمٌ لَمْ يُغَيَّرْ عَنْهُ لِعُرْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ صَرِيحًا أَمْ غَيْرُهُ السَّابِعُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْيَمِينِ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ وَالدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي حُسَيْنُ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَوْلَى وَاللَّفْظُ مَتَى كَانَ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالثَّانِي وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحْيِي السُّنَّةِ أَيْ شَيْخُهُ الْبَغَوِيّ الدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْكُمُ فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا فِي الْأَيْمَانِ.
قَالُوا فَلَوْ دَخَلَ دَارَ صَدِيقِهِ فَقَدَّمَ إلَيْهِ طَعَامًا فَامْتَنَعَ فَقَالَ إنْ لَمْ تَأْكُلْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَخَرَجَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ قَدِمَ الْيَوْمُ الثَّانِي فَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ فَأَكَلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْنَثُ اهـ فَانْظُرْ تَعْلِيلِ الْبَغَوِيِّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْكُمُ فِي التَّصَرُّفَاتِ تَحُدُّهُ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا وَفِي أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ تَحْكِيمُهُ بِالثَّمَنِ بَلْ يَحْكُمُ فِي الْمُثَمَّنِ أَيْضًا الثَّامِنُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ الْعُرْفُ الْخَاصُّ هَلْ يَنْزِلُ فِي التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ وَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُهُ فِي أَهْلِهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ اهـ وَهَذَا شَامِلٌ لِمَسْأَلَتِنَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّمَا سَاقَهُ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ
[الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ]
(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ) وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ وَلَا مِنْ الْمَاءِ وَلَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِاسْتِعْمَالِهِمَا فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ لِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ الْبُرْهَانَ الْوَاضِحَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ وَقَضِيَّةُ هَذَا صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَاعِدَةُ أَنَّ إعْمَالَ اللَّفْظِ (سِيَّمَا) فِي مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ يُحْتَمَلُ فَسَادُهُ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ بِاعْتِبَارَاتٍ لَا يَهْتَدِي لَهَا أَكْثَرُ الْعَامَّةِ بَلْ الْمُتَفَقِّهَةُ وَمِنْ ثَمَّ أُشْكِلَ عَلَى أُولَئِكَ الْمُخَالِفِينَ وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَارِفِينَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ الْجَاهِلِينَ فَفِي الْعَارِفِينَ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمَا تَبَادَرَ عِنْدَهُمَا مِنْ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ وَمِنْ وَمَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ كَذَا جُزْء مِنْ نَفْسِ الْقَرَارِ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَهُمَا فَالْبَيْعُ عِنْدهمَا صَحِيحٌ وَفِي غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا جَاهِلًا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَتَبَادَرُ عِنْده مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْجُزْءُ السَّابِقُ بَلْ الْمُتَبَادِرُ عِنْدهمَا الْمَاءُ وَقَدْ لَا يَتَبَادَرُ عِنْدهمَا مِنْهُمَا شَيْءٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ تَعَارُضٍ أَشَرْنَا إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الْأَخِيرُ يُؤَيِّدُهُ مَسَائِلُ ذَكَرُوهَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَامِسُ مَا إذَا أَطْلَقَا وَعُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ انْصِرَافُ ذَلِكَ لِلْمَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ الْبُطْلَانُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالسَّادِسُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالسَّابِعُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُرْفِ وَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَالثَّامِنُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْرِفَةِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ وَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا مَرَّ آنِفًا.
وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ لَك مَا قَرَّرْته فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ وَمَا يَدُلُّ لِأَكْثَرِهَا مِنْ كَلَامِهِمْ الظَّاهِرِ أَوْ الصَّرِيحِ عَلِمْت أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ الْبَاطِلَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ وَأَنَّ مَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَقَدْ رَكِبَ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَبَطَ خَبْط عَشْوَاءَ كَمَا يَتَّضِحُ مِنْ سِيَاقِ فَتَاوِيهِمْ الْمُنَادِيَةِ عَلَيْهِمْ بِالْخَسَارِ وَالْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ فِي الْخَاتِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute