آخَرُونَ وَاعْتَرَضَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ قَدْحًا فِي ثُبُوتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ قَدْ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ.
وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ شُذُوذٌ، أَوْ غَرَابَةٌ وَنَحْوُهُمَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَاكِمُ الصَّحِيحُ مِنْ الْحَدِيثِ يَنْقَسِمُ عَشَرَةَ أَقْسَامٍ خَمْسَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَخَمْسَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ مُبَيَّنَةٌ فِي مَحَلِّهَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَأَى قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَدِيثِ «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، أَوْ مَوْضُوعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُنْكَرُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الذَّهَبِيُّ إطْلَاقَ الْخَطِيبِ الْمُنْكَرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَوَصَفَ الذَّهَبِيُّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ حَتَّى الصَّحِيحَيْنِ بِالنَّكَارَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْجِعُ إلَى الْفَرْدِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا ضَعْفُ مَتْنِ الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنْ بُطْلَانِهِ وَرَوَى حَدِيثَ السُّؤَالِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَنُوزِعَ فِيهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُرْجَمُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَحْصَنَ، أَوْ لَمْ يُحْصَنْ» وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَنَّهُ " أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ الْقَتْلُ إلَّا عَلَى أَرْبَعَةٍ رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْد إحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَقَوْلُهُ: أَمَا عَلِمْتُمْ دَلِيل عَلَى اشْتِهَارِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ السَّرِقَةِ]
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ عَمَّنْ سَرَقَ آنِيَةً مَوْقُوفَةً لِلشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مُصْحَفًا مَوْقُوفًا لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ قَارِئٍ فَهَلْ يُقْطَعُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ هُوَ كَالْقَنَادِيلِ الَّتِي لِلْوَقُودِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ قَالُوا لَا قَطْعَ بِذَلِكَ فَهَذِهِ مَثَلُهَا وَلِابْنِ الْعِمَادِ احْتِمَالَانِ فِي الثَّانِيَةِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا إذْ لَا حَقَّ لَهُ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ لَهُ فِيهِ أَوْ يَتَعَلَّمُ وَيَقْرَأُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَجْهٌ وَجِيهٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِذَلِكَ وَاحْتِمَالُ تَعَلُّمِ هَذَا كَاحْتِمَالِ إسْلَامِ ذَاكَ لَكِنَّ الْفَرْقَ عَلَى الثَّانِي أَنَّ لِلْمُسْلِمِ فِي حَالِ عَدَمِ قِرَاءَتِهِ حَقًّا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ حَالَ كُفْرِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِإِسْمَاعِ الْحَاضِرِينَ لَمْ يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ السِّيَرِ]
(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كُلِّ مَا يَعُمُّ نَفْعُهُ الْبَلَدَ كَعِمَارَةِ مَسَاجِدِهَا وَعِمَارَةِ سُورِهَا وَمُؤْنَةِ الْقَائِمِينَ بِحُصُونِهَا ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ عَلَى أَهْلِ الْقُدْرَةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَمَا الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْقُدْرَةِ هَلْ هُمْ كُلُّ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ أَمْ لَهُمْ حَدٌّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَالِي أَصْلَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْقِيَامِ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ يَخُصَّ الْبَعْضَ فِي وَقْتٍ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْزِيعُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ.
وَهَلْ التَّوْزِيعُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الرُّءُوسِ وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ عَقَارًا فَهَلْ التَّوْزِيعُ عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، أَوْ قِيمَتِهَا وَكَذَا فِي النَّخِيلِ وَنَحْوِهَا هَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْعَدَدِ فَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةٌ وَإِلَيْكُمْ أَحْكَامُهَا رَاجِعَةٌ؟
(فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْقُدْرَةِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ سَنَةً كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَعَايِشِ وَانْتِظَامِ أُمُورِ النَّاسِ كَدَفْعِ الضَّرَرِ