فِي الْقَرَارِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوعُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ أَيْ هُنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ عَنْ زَوَائِدِهِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ اهـ وَقَدْ قَرَّرْت لَك فِيمَا سَبَقَ الْجَوَابَ مَبْسُوطًا وَاضِحًا عَنْ اعْتِرَاضَيْهِ هَذَيْنِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِي بَعْضِهِ نَظَرٌ فَلِذَا ذَكَرْت كَلَامَهُ لِأُبَيِّنَ ذَلِكَ فَمَا اعْتَرَضَ بِهِ أَنَّ الَّذِي فِي الْبَيْعِ لَمْ يُسْبَقْ عَنْ الْقَفَّالِ بَلْ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ شَارِحُ التَّلْخِيصِ لَا أَنَّهُ مُصَنِّفُهُ اهـ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِلْقَفَّالِ كِتَابًا اسْمُهُ التَّلْخِيصُ لَكِنْ عَلَى فَرْضِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مُتَوَجَّهٌ أَيْضًا إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُوَ الْقَفَّالُ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ ابْنُ الْقَاصِّ لِأَنَّ تَلْخِيصَهُ مَشْهُورٌ مُتَقَدِّمٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي نَقَلَاهُ هُنَا عَنْ الْقَفَّالِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ بَيْعِ الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا يَبْعُدُ أَنْ. يُرَادَ بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَلْخِيصِ الْقَفَّالِ إنْ سَلِمَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا اسْمُهُ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّ مَا مَرَّ ثَمَّ مَحَلُّهُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ إذْ الْمُرَادُ بِالشِّرْبِ فِيهِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ جَمِيعُ الْمَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ اهـ.
وَقَدَّمْت فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ إنْ تَأَمَّلْته مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مَاءَ النَّهْرِ مَجْهُولٌ حَتَّى يَبْطُلَ فِي أَرْضِهِ أَيْضًا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالرُّؤْيَةِ تُحِيطُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ عُمْقِهِ مِمَّا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا اهـ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَجِيبٌ فَإِنَّ ابْنَ الْعِمَادِ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْجَارِي وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَيْعِ مَفْرُوضٌ فِي الرَّاكِدِ وَإِذَا قَرَّرَ ذَلِكَ فَكَيْف يَرُدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّاكِدِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَكَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا هُنَا فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ هِيَ الْبَاطِلَةُ لِمَا قَدَّمَهُ وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فَالْوَجْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ بِكَلَامِهِمْ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت.
[الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ]
(الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْمِ عُيُونِ الْحِجَازِ بِخُصُوصِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا أَوْ لَا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَعُيُونُ الْحِجَازِ أَوْلَى بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً مِنْ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْر وَضْعِ الْيَدِ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَفِيهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِقَاء وَهِيَ الْبِنَاءُ الْمَوْجُودُ عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْت فِي الْأَنْوَارِ وَشَرْحِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَمَا لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ فَالنَّاسُ فِيهَا شَرْعٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِ مَائِهَا لِشُرْبٍ أَوْ طُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا أَنْ يَتَحَجَّرَهَا.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَبِيعُهَا مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute