يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَا بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يَنْقُضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَة وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونٌ عَنْ النَّقْدِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أُحَطَّ رُتْبَة مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سَلَّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطَلَب فَصْلهَا حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ وَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَة اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْن الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ.
وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلَفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِم الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ]
وَإِذْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْمُقَدَّمَةِ فَلْنَشْرَعْ الْآنَ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ مُفْرِدِينَ لِكُلِّ حَالٍ بَابًا فِيهِ الْبُرْهَانُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَنَقُولُ.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مُشَاعًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي هُوَ الْمَجْرَى أَوْ الْمَنْبَعُ أَوْ مَا يَتَحَصَّلُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ حِينَئِذٍ وَقَدَّمْنَا دَلِيلَ ذَلِكَ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ وَزَادَ فِيهِ تَفْصِيلًا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةَ صَاعٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ صَاعًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّاع مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute