قَوَاعِدِنَا مَا يَنْفِيهِ وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا نَقْلَ فِيهَا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ وَذَكَرَ فِي الْخَادِمِ مَسْحَ الْخُفِّ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَأَجَابَ بِالْمَنْقُولِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ نَصَّ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّعْزِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَنُصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى خِلَافِهِ وَلَا فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مَا يَنْفِيهِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ قَالَ رَعْيُ الْغَنَمِ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ نَقْصٍ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لَكِنْ حَدَثَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ.
وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ فَرُبَّ حِرْفَةٍ هِيَ نَقْصٌ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَفِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْمُرُوءَةِ فِي الشَّهَادَاتِ ثُمَّ قَالَ تَعْرِيضًا بِالْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِ الْمُمَارَاةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَالتَّدْلِيسُ وَقَصْدُ الِانْتِقَامِ بِالضَّغَائِنِ الْبَاطِنَةِ لَا يَضُرُّ إلَّا فَاعِلَهُ وَلَا يُصِيبُ الْمُشَنَّعَ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِهِ شَيْءٌ وَالْحَقُّ لِلْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يُخَاصِمُهُ كُلُّ صَالِحٍ لِأَنَّ لِكُلِّ صَالِحٍ فِيهَا حَقًّا حَيْثُ فِيهَا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَكَذَلِكَ الْمُدَلِّسُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُخَاصِمُهُمْ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعِدَّتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَقَدْ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكْت حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَك عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ لَأَنْ يَكُونُوا خُصَمَائِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصْمِي يَقُولُ لِي لِمَ لَمْ تَذُبَّ الْكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي؟ وَكَذَلِكَ أَقُولُ لَأَنْ يَكُونَ كُلُّ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خُصَمَائِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُخَاصِمُنِي نَبِيٌّ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ وَرَدَ أَنَّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ لَا يُعَزَّرُونَ وَمَا الْمُرَادُ بِهِمْ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الصَّغِيرَةَ تُنْقِصُ الْوِلَايَةَ فَقَدْ جَهِلَ وَقَالَ إنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَقَعَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ تَعْزِيرُهُ عَلَيْهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ لَا يُعَزَّرُونَ لِلْحَدِيثِ وَفَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَيُتْرَكُ وَفَسَّرَهُمْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الذَّنْبُ تَابُوا وَنَدِمُوا اهـ.
وَتَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَظْهَرُ وَأَمْتَنُ وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَمِنْهَا «تَجَاوَزُوا عَنْ زَلَّةِ ذَوِي الْهَيْئَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَمِنْهَا «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَمِنْهَا «تَجَافُوا عَنْ ذَنْبِ السَّخِيِّ فَإِنَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آخِذٌ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ.
[بَابُ الرِّدَّةِ]
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ هَلْ يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالْقِسِيِّ الصِّغَارِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَقْتُلُ صَيْدًا بَلْ أُعِدَّتْ لِلَعِبِ الْكُفَّارِ وَأَكْلُ الْمَوْزِ الْكَثِيرِ الْمَطْبُوخِ بِالسُّكَّرِ وَإِلْبَاسُ الصِّبْيَانِ الثِّيَابَ الْمُلَوَّنَةِ بِالصُّفْرَةِ تَبَعًا لِاعْتِنَاءِ الْكَفَرَةِ بِهَذِهِ فِي بَعْضِ أَعْيَادِهِمْ وَإِعْطَاءِ الْأَثْوَابِ وَالْمَصْرُوفِ لَهُمْ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ تَعَلُّقٌ مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَجِيرًا لِلْآخَرِ مِنْ قَبِيلِ تَعْظِيمِ النَّيْرُوزِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْكَفَرَةَ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ وَضَعِيفَهُمْ وَرَفِيعَهُمْ حَتَّى مُلُوكَهُمْ يَعْتَنُونَ بِهَذِهِ الْقِسِيِّ الصِّغَارِ وَاللَّعِبِ بِهَا وَبِأَكْلِ الْمَوْزِ الْكَثِيرِ الْمَطْبُوخِ بِالسُّكَّرِ اعْتِنَاءً كَثِيرًا وَكَذَا بِإِلْبَاسِ الصِّبْيَانِ الثِّيَابَ الْمُصَفَّرَةَ وَإِعْطَاءَ الْأَثْوَابِ وَالْمَصْرُوفِ لِمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِبَادَةُ صَنَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَمَرُ فِي سَعْدِ الذَّابِحِ فِي بُرْجِ الْأَسَدِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا أَفْعَالَهُمْ يَفْعَلُونَ مِثْلَهُمْ فَهَلْ يَكْفُرُ، أَوْ يَأْثَمُ الْمُسْلِمُ إذَا عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِ عِيدِهِمْ وَلَا افْتِدَاءٍ بِهِمْ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا كُفْرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ، أَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ لَمْ يَكْفُرْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ اهـ.
فَعَدَمُ كُفْرِهِ بِمَا فِي السُّؤَالِ أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute