وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَإِنْ جَزَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخِلَافِهِ لَكِنْ إنْ كَرَّرَهَا عَمْدًا لِجَرَيَانِ وَجْهٍ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ فَالسُّجُودُ لَهُ أَوْلَى مِنْهُ لِنَقْلِ نَحْوِ السُّورَةِ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ تَكْرِيرِهَا سَهْوًا أَوْ شَكًّا بِذَلِكَ، وَهُوَ قَرِيبٌ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ السَّابِقَ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ تَكْرِيرَ التَّشَهُّدِ كَتَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ مَا فِي الْخَادِمِ عَنْ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ نَاسِيًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فَأَعَادَهُ لَمْ يَسْجُدْ - فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَمِنْهَا يُعْلَمُ جَوَابُ مَا فِي السُّؤَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ]
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ يُسَنُّ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا وَقَدْ رَأَيْت فِي الْمُعْلِمَاتِ لِابْنِ شُهْبَةَ أَنَّ تَكْرِيرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي التَّرَاوِيحِ ثَلَاثًا كَرِهَهَا بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ: لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْهُودَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ مَرَّةً فَلْتَكُنْ فِي التِّلَاوَةِ مَرَّةً اهـ فَهَلْ كَلَامُهُ مُقَرَّرٌ مُعْتَمَدٌ أَمْ لَا بَيِّنُوا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوهُ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ
(فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ: تَكْرِيرُ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَوْ غَيْرِهَا فِي رَكْعَةٍ أَوْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَلَا يُقَالُ: مَكْرُوهٌ عَلَى قَوَاعِدِنَا. لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي التَّرَاوِيحِ هُوَ التَّجْزِئَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِحَيْثُ يُخْتَمُ الْقُرْآنُ جَمِيعُهُ فِي الشَّهْرِ أَوْلَى مِنْ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ الْقِيَامُ فِيهَا بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُقَاسُ بِذَلِكَ كُلُّ مَا وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِبَعْضٍ مُعَيَّنٍ كَآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ، أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةً فِي رَكْعَتَيْنِ إنْ فَرَّقَهَا لِعُذْرٍ أُثِيبَ عَلَيْهَا ثَوَابَ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ. لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْأَعْرَافِ فِي أَوَّلَتَيْ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا سُورَةٌ نَحْوُ ثَلَاثِ أَوْ أَرْبَعِ آيَاتٍ فَتَفْرِيقُهَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الرَّبِيعِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فَقَالَ نَعَمْ وَأَفْعَلُهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْأَقْرَبَ لِلسُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ لَا جَائِزٌ فَقَطْ، وَلَوْ كَرَّرَ السُّورَةَ فِي رَكْعَتَيْنِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَصِّلُ أَصْلَ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصُّبْحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: ١] فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ الْجَمْعِ عِنْدَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَفِي مَسْجِدِ الْجُنْدِ فِي لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا اعْتَادَتْهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْقَبَائِحِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ بِدْعَةٌ شَدِيدَةُ الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِمْ الدِّينَ وَأَزَالَ بِسُيُوفِ عَدْلِهِمْ الْمُفْسِدِينَ مَنْعُ الْعَامَّةِ مِنْ إظْهَارِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْأَمَاكِنِ الْفَاضِلَةِ وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ فِي فَضَائِلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ بَاطِلٌ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَكَابِرِ كَالْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التَّحِيَّةِ هَلْ يُخَاطَبُ بِهَا الْمَارُّ وَهَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا مِنْ قُعُودٍ وَلَوْ دَخَلَ وَقَرَأَ آيَةَ سُجُودٍ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ فِي تَحْصِيلِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ فَاتَتْ أَوْ صَلَّاهَا فَاتَ السُّجُودُ لِطُولِ الْفَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ فَهَلْ يُشْرَعُ لَهُ التَّحِيَّةُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ. وَذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْجُلُوسِ فِي نَحْوِ حَدِيثِ «فَلَا تَجْلِسْ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» أَنَّ الْمَارَّ لَا يُخَاطَبُ بِهَا وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهَا مُعَلَّقًا عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ، وَأَمَّا فِعْلُهَا مِنْ قُعُودٍ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ نَوَى قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ أَوْ قَارَنَتْ نِيَّتُهُ الْجُلُوسَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَسَ ثُمَّ نَوَى فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ عَمْدًا وَإِنْ قَلَّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ أَنْ يُحْرِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute