الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ رَأَى فَهَلْ يُجَابُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُكَذِّبُهُ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ كَثِيرٌ مُتَعَارَفٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادُ عَقْدٍ فَسُمِعَتْ الدَّعْوَى بِهِ لِلتَّحْلِيفِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ الرُّؤْيَةِ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لَهَا وَلَمْ يُعْتَدَّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا تَأَخُّرُ الرُّؤْيَةِ عَنْهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا رَسْمُ قَبَالَةٍ فَلَمْ يُسْمَعْ طَلَبُهُ لِلتَّحْلِيفِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَمْ يُعَارَضْ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَإِنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِالْإِشْهَادِ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَقْدٍ إجْمَالِيٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْضَ شُرُوطِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ أَوْ صِفَاتِهِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعُقَدَ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ لِعُذْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَالرُّؤْيَةِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ النَّذْرِ]
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ بَاعَهُ إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهَرَهُ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، لَوْلَا ذِكْرُ التَّحْتِيَّةِ وَالْقَهْرِيَّةِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى انْتِزَاعِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يُنْذِرْ وَلَمْ يَبِعْ فَمَا الْحُكْمُ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ فِي فَتَاوَى ابْنِ كَبَّنَ فِيمَنْ امْتَنَعَ أَنْ يَقْسِمَ لِأُخْتِهِ مِنْ مُخْلَفِ أَبِيهَا وَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ مُدَّةً ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَبِيعَهُ نَصِيبَهَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَبَاعَتْهُ بِمَا أَرَادَ وَلَوْلَا عَدَمُ قُدْرَتِهَا عَلَى انْتِزَاعِهِ لَمْ تَبِعْهُ وَجَرَى مِنْهَا هَذَا الْبَيْعُ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِبْرَاءَ فِيهِمَا صَحِيحَانِ وَلَا نَظَرَ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِكْرَاهِ الَّتِي ذَكَرهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ تُوجَدْ هُنَا وَإِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ فَيَصِحُّ النَّذْرُ أَيْضًا إنْ وُجِدَتْ بَقِيَّةُ شُرُوطِهِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ ابْنِ كَبَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ حَجْرِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُهَا لَهُ فَالْفَسَادُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ كَوْنِهَا تَحْتَ حَجْرِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَنَّ جَمْعًا قَالُوا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُصَادِرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ كَبَّنَ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَكَذَلِكَ مَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ مُكْرَهٍ كَالْمُصَادِرِ بَلْ أَوْلَى وَهَذَا جَمِيعُهُ يَتَّضِحُ بِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ الْعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهَا وَالْبَائِعُ فِيهَا وَفِي الَّتِي قَبْلَهُ. اهـ. وَالْمُقَصِّرُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ أَوْ بُعْدُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَلِّصَهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ نُوَّابِهِ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ تِلْكَ الْعَيْنُ فَهَذَا نَادِرٌ فَلَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَالْفَلْسِ وَالنَّفَقَاتِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَسْأَلَةٍ مَرَّتْ فِي الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا جَاءَتْ إلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى إشْكَالَاتٍ وَنَوَادِرَ وَغَرَائِبَ وَلِذَا اخْتَلَفَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا الْأَجْوِبَةُ وَلَمْ يَبْسُطْ أَحَدٌ فِيهَا بِمِثْلِ مَا بُسِطَ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَجْذُومٌ أَوْ هَرِمٌ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَقُومَ بِمُؤْنَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا حُكْمُهُ) ؟
فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ النَّذْرِ فِيهَا لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِشَرْطٍ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَفَاتَ لِشَرْطِ النَّذْرِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِمُؤْنَتِهِ أَوْ لِمُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ قَضَاءِ دِينٍ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لِنَفَقَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ عَلَى الْإِضَافَةِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لَا يُقَالُ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ النَّذْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ هِبَةُ الْمَاءِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute