كُلَّهُ عَنْهُ بِأَنْ أَثْبَتَ لَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَنْتَفِيَ عِلِّيَّةُ كُلٍّ مِنْ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عِلَّةِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَدِّي عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَخْذِ بَلْ إنَّمَا قَصَدَ بِأَخْذِهِ مَنْعَ تَعَدِّي الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ مَعَ أَنَّهُ الْمُتَعَدِّي بِالْبَيْعِ وَالشَّفِيعُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالْأَخْذِ وَأَيْضًا فَالْبَائِع بِبَيْعِهِ بَعْضَ حِصَّتِهِ لِثَالِثٍ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الثَّالِثِ مِنْ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَشَرِيكُهُ الْقَدِيمُ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْبَائِعُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الضَّرَرَ فَنَاسَبَ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لَهُ لِعُذْرِهِ وَلَمْ يُنَاسِبْ أَخْذَ الْبَائِعِ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّفُوعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ أَخْذِهِ مَنْعُ آثَارِ تَعَدِّي الْبَائِعِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ فَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْبَائِعِ فَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ هَذَا حَاصِلُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَهُوَ تَوْجِيهٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا غُبَار عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَخَوَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَرْضٍ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِأَجْنَبِيٍّ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ وَوَرِثَهُ الْآخَرُ الْبَائِعُ فَهَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْفَعَ فِيمَا بَاعَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ أَخِيهِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْوَارِثِ أَنْ يَشْفَعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِلْوَصْفِ الَّذِي طَرَأَ وَهُوَ الْإِرْثُ غَيْر الْوَصْفِ الَّذِي بَاعَ بِهِ، وَتَبَدُّلُ الْأَوْصَافُ كَتَبَدُّلِ الذَّوَاتِ وَلَيْسَ هَذَا كَفُرُوعٍ ذَكَرُوا فِيهَا سُقُوطَ حَقِّهِ بِإِرْثِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَقُّ فِيهَا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِذَا صَارَ هُوَ الْوَارِثُ تَعَذَّرَ طَلَبُهُ لِذَلِكَ الْحَقِّ وَهُنَا الْحَقُّ لِلْمَيِّتِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ حَقُّ الْمَيِّتِ لِوَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ فَلَهُ حِينَئِذٍ الْأَخْذُ بِهِ خِلَافَةً عَنْ مُورَثِهِ الْآنَ.
وَكَوْنُهُ بَائِعًا وَصْفٌ انْقَضَى وَخَلَفَهُ وَصْفٌ آخَرُ فَعُمِلَ بِهِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ الْوَارِثِ فِيمَا بِيعَ فِي دَيْنِ مُورَثِهِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَنْعُ فِي مَسْأَلَتنَا؟ قُلْت لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِوُضُوحِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَهُمَا إذْ سَبَبُ الْمَنْع هُنَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَرْكِ بَيْعِهِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ التَّرِكَةَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَالشِّقْصُ الْمَبِيعُ مِلْكُهُ حَالَةَ الْبَيْعِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ بَيْعِهِ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ أَوْصَى بِبَيْعِهِ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ لِكَوْنِهِ نَائِبَ مُورَثِهِ فَلَوْ شَفَعَ لَكَانَ كَالشَّافِعِ فِيمَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَيْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته لَكِنْ مَا ذَكَرْته أَوْضَحُ لِمَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّرِكَةَ مِلْكًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ فَلَيْسَ كَالْبَائِعِ فِيمَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ هُوَ حَقِيقَةً وَظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَارِثٍ حَائِزٍ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخُصُّ قِسْطَهُ مِنْ الْإِرْثِ دُونَ قِسْطِ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.
[بَابُ الْقِرَاضِ]
(مَسْأَلَةٌ) نَقَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَأَقَرُّوهُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا الْقِرَاضَ مَعَ قِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَصْلٍ فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ وَكَيْفَ سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ تَقْرِيرُهُ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُقَارَضَةُ وَخَلْطُ التَّمْرِ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ» (الْجَوَابُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا فَهُوَ لَيْسَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَعْنِي الْمُقَارَضَةَ بِالْقَافِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ اغْتِرَارًا بِكَوْنِ ابْنِ مَاجَهْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَيْ: الْمُقَارَضَةِ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ بِالْعَيْنِ أَيْ: بَيْعِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَاتَّضَحَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ مَا مَرَّ وَتَقْرِيرُهُمْ عَلَيْهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا اشْتَهَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَافَرَ تَاجِرًا لِخَدِيجَةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَحَكَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ بَعْدَهَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَثَبَتَ أَنَّ لِلْقِرَاضِ أَصْلًا أَصِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute