جَاءَ دَخَلَ إلَى صَهَارِيجهمْ مِنْهَا نَعَمْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَاء لَوْ دَخَلَ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابهَا مَلَكَهُ كَمَا لَوْ أَغْلَقَهَا عَلَى صَيْد دَخَلَ إلَى مِلْكه وَعَلَيْهِ فَأَصْحَاب الصَّهَارِيج إذَا أَغْلَقُوهَا عَلَى مَا فِيهَا مَلَكُوهُ وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الدُّولَابَ الَّذِي يُدِيرهُ الْمَاءُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانه يَمْلِكهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُدِيرهُ بِدَابَّتِهِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى اهـ وَمَرَّ أَنَّ الْمَأْخُوذ مِنْهُ فِي نَحْو إنَاء يَمْلِكهُ آخِذُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا قَالَ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْع الْمَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ جَمِيع الْمِيَاهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجْهُولُ كَالْمِيَاهِ الَّتِي يَتَبَايَعُهَا أَهْلُ الشِّرْبِ وَغَيْرُهُمْ بِبَيْعِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ مَا يَجْرِي فِي نَهْرِهِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِكَذَا وَكَذَا اهـ.
وَقِيلَ لَا يُمَلَّكُ الْمَاءُ مُطْلَقًا وَإِنْ أَخَذَهُ فِي نَحْوِ إنَاءٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي نَحْوِ إنَاءٍ يُمَلَّكُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْأَنْوَارِ أَنَّ الْأَنْهَارَ وَالسَّوَّاقِي إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِأَنْ حَفَرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي الْعَظِيمِ أَوْ مِنْ النَّهْرِ الْمُنْخَرِقِ مِنْهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالَك النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضَيْنِ وَكَذَا لِلشِّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ عِنْد الْجُمْهُورِ اهـ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إلَخْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا الشِّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ وَسَقْي الدَّوَابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ وَالْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُدْلِي أَحَدٌ فِيهِ دَلْوَهُ هُوَ الثَّانِي لِكَوْنِ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْخَامِسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَفِي الْبَابِ السَّادِسِ مَا يَتَعَلَّق بِبَيْعِ الْمَاءِ فَلِيَكُنْ مِنْك عَلَى ذِكْرِ.
[الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ]
(الْبَاب الثَّالِث فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ) وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاء وَلَكِنْ اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ بِاسْتِعْمَالِ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ وَقَدْ قَدَّمْت فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ وَثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ مُتَّحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ غَلَبَةً وَلَا قِيمَةً صَحَّ الْبَيْعُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا أَوْ فُلُوسًا سَوَاءٌ أَعَبَّرَ بِهَا أَمْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ بَلْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْحَمْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ عَبَّرَ بِالنَّقْدِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَوْ كَانَ حِنْطَةً وَثِيَابًا فَتَأَمَّلْ حُكْمَهُمْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا وَتَنْزِيلُهُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِيهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ مَعْلُومٌ فَكَانَ عِلْمُهُ الْمُسْتَنِد لَهُ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِمَا قَدَّمْته عَنْهُ فِي الْجَوَابِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَكَذَلِكَ السَّاعَةُ مِنْ الْقَرَارِ فِي صُورَتِنَا إذَا غَلَبَ عِنْدَ قَوْمٍ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ نَظَرَا لِتِلْكَ الْغَلَبَةِ وَلِذَلِكَ الْعُرْفِ وَكَأَنَّهُمَا قَالَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الثَّانِي قَوْل الْقَاضِي لَوْ اُعْتِيدَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يُعْطِي تِسْعَةً وَدَانَقًا عُمِلَ فِيهِ بِالْعَادَةِ اهـ وَالْعَمَلُ بِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى لِأَنَّ مَا قَالَهُ فِيهِ إلْغَاءُ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُعْمَلْ بِمَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ رُجُوعًا لِلْعَادَةِ.
فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهَا فِي إلْغَاءِ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَنْزِيلِهِ أَعْنِي الْعَقْدَ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِيهِ بِوَجْهٍ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظ بِمَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَيَنْزِلُ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ الثَّالِثُ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِالْمَغْشُوشَةِ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الْغِشِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُهَا وَإِذَا ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُهَا نَظَرًا لِلْعُرْفِ مَعَ أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا نَقْدٌ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لِلَفْظِ السَّاعَةِ حُكْمُ لَفْظِ الْجُزْءِ إذَا اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا الرَّابِعُ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّا قَبْلَهُ قَوْلهمْ إذَا اطَّرَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute