عَمَّنْ أَبْرَأَهُ عَنْ عَيْنٍ فَأَبْرَأَهُ الْآخَرُ عَنْ دَيْنٍ فَهَلْ يَصِحَّانِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنَ بَلْ عَنْ الدَّيْنِ لَكِنْ بَحَثَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ جَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْعَارِيَّةِ وَقَلَعَ مَجَّانًا بَذْرًا وَنَوَاة حَمَلَهُ سَيْلٌ فَنَبَتَ فِي أَرْضه فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْك صَاحِبه فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ هَذَا فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَنَوَاةٍ أَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ بَاقٍ لِمَالِكِهِ ذَكَرَهُ ابْن أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ زَادَ فِي الْأَسْنَى وَعَلَى مَالِكِهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ فِي هَوَاءِ دَارِهِ وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَفِي فَتَاوَى السَّمْهُودِيِّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا يُعْرِضُ النَّاسُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ عَادَةً أَلْحَقَ ذَلِكَ بِالسَّوَاقِطِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا.
وَفِي الْأَسْنَى بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى مُنَاقَضَةُ مَا ذُكِرَ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ الْإِسْعَادِ لَا يُخَالِفُهُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَيْت عَلَيْهِ مُبَيِّنًا لِمُرَادِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت وَعَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ رَدُّهُ أَيْ مَا حَمَلَ مِنْ نَحْو نَوَى وَحَبٍّ لِمَالِكِهِ إنْ حَضَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَحَبَّةٍ وَنَوَاةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ الْإِعْرَاضَ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ الْمُوهِم أَنَّ مَا لَهُ قِيمَةٌ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْإِعْرَاضِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةٌ لَهَا وَقْعٌ عَادَةً أَمَّا مَا لَيْسَ لَهَا وَقْعٌ كَذَلِكَ فَهِيَ كَعَدَمٍ وَكَلَامُهُ فِي بَاب الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْمِنْهَاجِ فَرْعٌ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ خُبْزٍ وَسَنَابِلِ الْحَصَّادِينَ وَبُرَادَةِ الْحَدَّادِينَ فَيَمْلِكُهَا آخِذُهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ: عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُبَاحَةً وَلَا تُمْلَكُ. اهـ.
وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ أَحْوَالِ السَّلَفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهُ مُسَامَحَةً بِذَلِكَ لِحَقَارَتِهِ عَادَةً فَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ التَّقْيِيدَ بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَرْدُودٌ لِذَلِكَ نَعَمْ مَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ كَأَنْ وَكَّلَ مَنْ يَلْقُطُهُ لَهُ انْتَهَتْ عِبَارَة الشَّرْح الْمَذْكُورِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْرَاضَ الْمُمَلَّك الْمُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرِينَةِ يَجْرِي فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ، وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ لَهَا وَقْعٌ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرَائِنِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ صَرِيحِ الْإِبَاحَةِ.
[بَابُ الشُّفْعَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ لِلشَّفِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ الِاشْتِغَالُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِنَافِلَةٍ مُؤَقَّتَةٍ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهَا النَّافِلَةَ الْمُطْلَقَةَ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يُخْشَى فَوْتُهَا بِخِلَافِ تِلْكَ وَعَلَى كُلٍّ فَلَوْ عَلِمَ وَهُوَ فِيهَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى مَدْرَكًا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اشْتَرَى زَيْدٌ حِصَّةً مِنْ عَمْرٍو مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ مِنْ مُشْتَرٍ آخَرَ مَثَلًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَأَيْضًا ادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ إنَّمَا اشْتَرَى هَذَا الْمَبِيعَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُرِيدُ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ بَلْ نَقُولُ لَا نُؤَاخِذُ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَلْ أَنْتَ أَيُّهَا الشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ إنْ أَرَدْت الشُّفْعَةَ عَلَى الثَّانِي بِقِيمَةِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ هُوَ عِشْرُونَ وَإِنْ أَرَدْت فَاتْرُكْ عَقْدَهُ عَلَى حَالِهِ وَأَثْبِتْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنَّ ثَمَنَهُ هُوَ الْعَشَرَةُ الدَّرَاهِمُ وَاشْفَعْ فَهَلْ هُوَ قَوْلٌ صَوَابٌ أَوْ لِلشَّفِيعِ مَا أَرَادَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ يُرِيدُ ادْفَعْ الثَّمَن الْقَلِيل إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمُدَّعِي إقْرَاره وَأَخَذَهُ الْمَبِيع مِنْهُ.؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ تَخْيِيرِ الشَّفِيعِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُعْرَفُ بِأَدْنَى نَظَرٍ فِي كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِثَانِي وَهُوَ لِثَالِثٍ وَهُوَ لِرَابِعٍ وَهَكَذَا تَخَيَّرَ الشَّفِيعُ فِي الْأَخْذ مِنْ أَيّهمْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّمَن قَدْ يَكُون فِي نَحْوِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَقَلُّ أَوْ مِنْ