الْمُقْتَضَى لَا انْفِكَاكَ لَهُ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَقَضِيَّةُ الْبِيَعِ اللَّازِمِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَمُوجَبُهُ أَنْ يُرَدَّ بِالْعَيْبِ لَوْ وُجِدَ وَقَدْ لَا يُوجَدُ وَقَدْ يُرَدُّ بِهِ وَقَدْ لَا يُرَدُّ فَعَلَى هَذَا الْمُوجَبُ أَعَمُّ مِنْ الْمُقْتَضَى فَتُعَلِّقُ بِهَذَا الْكَلَامِ.
عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَمْ يُوجَدْ قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ بَلْ الْمُوجَبُ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الِانْفِكَاكِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ مَفْعُولُ أَوْجَبَ وَالْمُقْتَضَى مَفْعُولُ اقْتَضَى أَيْ طَلَبَ فَالْمُوجَبُ فِيهِ طَلَبٌ بِتَأْكِيدٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِيهِ تَأْكِيدٌ قَدْ يَنْفَكُّ وَمَا لَا تَأْكِيدَ فِيهِ لَا يَنْفَكُّ هَذَا مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُوجَبِ يَنْفَكُّ أَنْ يَتَنَاوَلَ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إلَى مَا وَجَدَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَدْ مَرَّ لَكَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ فَالْأَخْذُ مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا وَجَدَ كَمَا مَرَّ وَاضِحًا مُبِينًا وَقَدْ لَخَّصْتُ لَك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَمْ تَجِدْهُ فِي كِتَابٍ فَاعْتَنِ بِتَحْرِيرِهِ وَتَحْقِيقِهِ.
وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْ سَمْعِكَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالْوَلِيِّ وَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِمَا مَا قَضَى عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِأَنَّهَا مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُرْفَعَ لَهَا رَأْسٌ فَلَا تُؤَهَّلُ لِذَكَرِهَا وَرَدِّهَا لَكِنْ دَعَا إلَى ذَلِكَ مَا غَلَبَ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ فَعَدُوّهَا مِنْ مَحَاسِنِ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَهُمْ مَعْذُورُونَ لِأَنَّهُمْ لَا إلْمَامَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِقْهِ وَإِلَّا لَعَدُّوهَا مِنْ مَسَاوِئِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهَا إلَى مُجَرَّدِ حَدْسِهِ وَهَوَسِهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ وَخَتَمَ لِي وَإِيَّاهُ بِالْحُسْنَى إنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٌ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ رُفِعَ لِحَاكِمٍ قَضِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وُجُوهٍ مِنْ الْفَسَادِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَتَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ لَا أَبَ لَهَا وَلَا جَدَّ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَادَّعَى عِنْدَهُ بِهَا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهَا الْمُقْتَضِيَيْنِ لِبُطْلَانِهَا عِنْدَنَا فَحُكِمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلِلشَّافِعِيِّ إبْطَالُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ]
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ) اعْلَمْ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَكَمَ فِي مَسَائِلَ خَالَفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيهَا وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ وَحَكَمَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ ثُمَّ بِالْمُشَارَكَةِ وَقَالَ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي وَقَضَى فِي الْجَدِّ قَضَايَا مُخْتَلِفَةً وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّقْضُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ وَفِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يُطَاقُ وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الثَّانِي لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الظُّنُونُ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ وَحُكْمَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ.
وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى الرَّفْعِ مُنَازَعٌ فِيهِ إذَا خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ ظَنِّيًّا وَاضِحَ الدَّلَالَةِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ بِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ أَوْ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ فِي مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْبَقِيَّةِ، وَفِي تَعْبِيرِهِمْ بِالنَّقْضِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لِبَعْضِ ذَلِكَ أَمْثِلَةً كَنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالْعَرَايَا، وَالْقَوَدِ فِي الْمُثْقَلِ، وَكَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، وَصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالْمُتْعَةِ، وَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْد أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْعِدَّةِ، وَكَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَقْضِهَا؛ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى النَّقْضِ، وَفِيهِ تَحْرِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ وَيَنْقُضُ أَيْضًا مَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ، قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، قَالَ السُّبْكِيّ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَمُخَالِفِ النَّصِّ، وَمَا خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ كَمُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ.
قَالَ وَأَمَّا مُجَرَّدُ التَّعَارُضِ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بَعْد الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي حُكِمَ فِيهَا فَلَا نَقْلَ فِيهِ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ مُخَالَفَةٌ فِي شَهَادَةٍ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ حَكَمَ بِهَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ دُونَ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَقَدْ بَيَّنْتُ الرَّاجِحَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute