للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْفَتَاوَى وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَيْضًا أَنْ يَنْقُضَ جَمِيعَ أَحْكَامِ مَنْ قَبْلَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا كَذَا قَالُوهُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ بِمَنْ لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ لِنُفُوذِ أَحْكَامِ مَنْ وَلَّاهُ وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ بَلْ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَوْ اُسْتُقْضِيَ مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

قِيلَ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بَحْثًا لَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ فَهُوَ بَحْثٌ ظَاهِرٌ وَكَفَى بِتَقْرِيرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَهُ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْأَنْوَارِ النَّقْضَ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَالْغَزَالِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلَّدِ اتِّبَاعُ مَنْ شَاءَ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الْأَنْوَارَ شَارِحُهُ فَقَالَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ مَمْنُوعٌ اهـ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا لِأَنَّ مُوَلِّيَهُمْ يَشْرِطُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ قُلْتُ إنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ وَلُزُومِ الشَّرْطِ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ شَرَطَ عَلَى النَّائِبِ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادَهُ أَوْ اجْتِهَادَ مُقَلِّدِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ خَالَفَ كُلَّ شَرْطٍ حَنَفِيٍّ عَلَى شَافِعِيٍّ الْحُكْمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْوَسِيطِ حُكْمٌ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَّفِقَةِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَرِعَايَةِ الشَّرْطِ لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبَ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا لَوْ قَلَّدَ الْإِمَامُ رَجُلًا الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَذْهَبٍ عَيَّنَهُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالتَّقْلِيدُ جَمِيعًا.

وَقَضِيَّةُ هَذَا بُطْلَانُ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَسِيطِ وَأَفْتَى الْقَاضِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةٌ بِشَرْطٍ كَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَحْكُمْ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ مَثَلًا جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَالتَّوْلِيَةِ وَأَمَّا إلْغَاءُ مَا صَدَرَ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ مُخَالِفِينَ لِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ مَعَ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَدْ نَازَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ شَرْطًا أَوْ تَقْيِيدًا كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا أَوْ فِي يَوْمِ كَذَا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَكَمَ الْمُسْتَقْضَى الْمَذْكُورُ بِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِمَذْهَبٍ غَيْرِهَا فَيَنْقُضُ حُكْمُهُ.

فَقَدْ قَالَ السُّبْكِيّ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ التَّقْلِيدُ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ يَعْنِي تَقْلِيدَ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَكَمَ بِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مَرْجُوحٍ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ السُّبْكِيّ فَقَالَ إنْ كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَرَجَّحَهُ بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَاذٍّ أَوْ غَرِيبٍ فِي مَذْهَبِهِ وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مَذْهَبِهِ فَلَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ جَازَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لَمْ تَشْمَلْهُ اهـ قَالَ شَيْخُنَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ عَنَى بِكَلَامِهِ هَذَا كَلَامَهُ السَّابِقَ عَنْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ ضَعِيفٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَا يَأْتِي عَنْهُ فَكَذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَكَلَامُ السُّبْكِيّ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ إلَخْ يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ بُطْلَانِ التَّوْلِيَةِ.

وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا لَا يَجُوزُ وَقَوْلِ السُّبْكِيّ يَجُوزُ أَنْ يُرَجِّحَ لَهُ مَا لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَبَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ جَوَازِ الْحُكْمِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ الضَّعِيفِ فِي مَذْهَبِهِ الَّذِي لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ لَا فِي الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّعِيفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>