وَفَسَادَهُ وَالدَّقَّ وَالسُّلَّ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَفَسَادَ الْفِكْرِ وَإِفْشَاءَ السِّرِّ وَذَهَابَ الْحَيَاءِ وَكَثْرَةَ الْمِرَاءِ وَعَدَمَ الْمُرُوءَةِ وَكَشْفَ الْعَوْرَةِ وَعَدَمَ الْغَيْرَةِ وَإِتْلَافَ الْكَسْبِ وَمُجَالَسَةَ إبْلِيسَ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَتَوَالِي الْأَسْقَامِ وَالرَّعْشَةَ وَنَتْنَ الْفَمِ وَسُقُوطَ شَعْرِ الْأَجْفَانِ وَاحْتِرَاقَ الدَّمِ وَصُفْرَةَ الْأَسْنَانِ وَالْبَخَرَ وَثَقْبَ الْكَبِدِ وَغِشَاءَ الْعَيْنِ وَالْكَسَلَ وَالْفَشَلَ وَتَجْعَلُ الْأَسَدَ كَالْعِجْلِ وَتُعِيدُ الْعَزِيزَ ذَلِيلًا وَالصَّحِيحَ عَلِيلًا إنْ أَكَلَ لَا يَشْبَعُ وَإِنْ أُعْطَى لَا يَقْنَعُ وَإِنْ كُلِّمَ لَا يَسْمَعُ تَجْعَلُ الْفَصِيحَ أَبْكَمَ وَالصَّحِيحَ أَبْلَمَ وَتُذْهِبُ الْفِطْنَةَ وَتُحْدِثُ الْبِطْنَةَ وَتُورِثُ اللَّعْنَةَ وَالْبُعْدَ عَنْ الْجَنَّةِ وَلْنَخْتِمْ هَذَا الْكَلَامَ بِقَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ شَارِبُهُ وَالثَّانِيَةُ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ نَجِسٍ.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا الْأَفْيُونَ قَبْلَ أَنْ يُجْمَدَ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ مَائِعٌ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ قَطْعًا وَلَا يَحْرُمُ يَسِيرُهُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ وَبَيْعُ نَحْوِ الْحَشِيشِ لِأَكْلِهَا وَلَوْ ظَنًّا حَرَامٌ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتُوبُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالِهِ فَلَا نَظَرَ لِتَوَهُّمِ وُقُوعِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ يَحْرُمُ زَرْعُهَا لِاسْتِعْمَالِ مَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِشُرْبِهَا وَسَبَبُ الْوُجُوبِ قِيلَ مَخَافَةُ السُّكْرِ بِهَا وَقِيلَ نَجَاسَتُهَا وَيَرُدُّ الثَّانِيَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا طَاهِرًا لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ
فَالْمُعْتَمَدُ الْعِلَّةُ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ فَمَنْ أَكَلَ مِنْ نَحْوِ الْحَشِيشِ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقُ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا طَاهِرًا لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ وَكَأَنَّ عِلَّتَهُ أَنَّ الْحَرَامَ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخَاصَّتِهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُبْعِدَنَا عَنْهَا وَعَنْ أَسْبَابِهَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَدَدَ مَعْلُومَاتِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ كَمَا يَجِبُ لَهُ وَيَرْضَى تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا دَائِمًا أَبَدًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
[بَابُ التَّعَازِيرِ وَضَمَانِ الْوُلَاةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ أَوْ لَطَمَ بِنَعْلِهِ مَثَلًا شَرِيفٌ خَسِيسًا أَوْ عَكْسُهُ مَا كَيْفِيَّةُ تَعْزِيرِهِ وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَ الْفَاعِلِ بِيَدِ الْمَفْعُولِ بِهِ الْمِثْلَ فَعَلَهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَكَانَتْ الْفِتْنَةُ لَا تَسْكُنُ إلَّا بِذَلِكَ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَرْجِعُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِيمَا يَرَاهُ زَاجِرًا لِلْفَاعِلِ بِحَسَبِ جَرَاءَتِهِ وَقُبْحِ مَعْصِيَتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْزِيرُ بِنَحْوِ ضَرْبٍ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَوِّضَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ لِئَلَّا يَزِيدُ فِي الْإِيلَامِ وَإِنْ كَانَ بِنَحْوِ وَقْعِ عِمَامَةٍ جَازَ لَهُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحِقِّ إذْ لَا يُخْشَى مِنْهُ مَحْذُورٌ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي التَّعْزِيرِ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَاكِمُ إثَارَةَ فِتْنَةٍ إنْ لَمْ يُفَوِّضْ اسْتِيفَاءَ التَّعْذِيرِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَبْعُدْ حِينَئِذٍ جَوَازُ تَفْوِيضِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى خَشْيَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيلَامِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ قَالَ فِي الْعُبَابِ فَائِدَةً صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا لُدَّ فِي مَرَضِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَمَرَ بِلَدِّ الْحَاضِرِينَ فَاقْتَضَى جَوَاز التَّعْزِيرِ بِمِثْلِ مَا تَعَدَّى بِهِ اهـ.
مَا اللَّدَدُ وَمَنْ لَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ الْحَاضِرُونَ وَبِمَ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُونَ اللَّدَّ وَكَمْ عَدَدَهُمْ وَهَلْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ فِي مَرَضٍ آخَرَ وَهَلْ كَانَ اللَّدَدُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ شِدَّةِ وَجَعِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُغْشَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُفِيقُ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَظَنَّ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ أَنَّ وَجَعَهُ ذَاتُ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ فَجَعَلَ يُشِيرُ