الْخَشَبَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي ذَلِكَ فَلَوْ فُرِضَ صِحَّةُ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مَضْبُوطٍ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِالْحِيلَةِ هُنَا مُجَرَّدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الْمُسْتَلْزِمَ لِمِلْكِ الْمَاءِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ اسْتِحَالَةَ هَذَا فِي صُورَةِ السُّبْكِيّ أَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكَذَلِكَ مَحَلُّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّهْرَ مِنْ الْأَنْهَارِ الْعَامَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ مُطْلَقًا وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلِأَنَّ تِلْكَ الْخَشَبَةَ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ وَإِنَّمَا الِاسْتِحْقَاقُ لِلدُّورِ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.
[الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ]
(الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ) (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَمَا يَسْتَدْعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّتِمَّاتِ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ السَّابِقِينَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّرِ وَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ فِي الْخَطَإِ وَالتَّهَوُّرِ زَادَ عَلَيْهِمْ لَمَّا عُذِلَ وَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَالْقَاضِي فُلَانٌ قَدْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ وَهُوَ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَقَالَ مُعْتَذِرًا إفْتَائِي بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ وَمِنْ مُوجِبِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْفَسَادُ إذْ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ فَنَحْنُ لَمْ نَنْقُضْ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورَ بَلْ عَلِمْنَاهُ بِقَضِيَّتِهِ وَقَضِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْفَسَادُ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فِيهَا اهـ. كَلَامُ هَذَا الْمُفْتِي بِمَعْنَاهُ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنِي عَنْهُ وَسَيَتَّضِحُ لَك زَيْفُهُ وَفَسَادُهُ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَنْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أُكَابِرْ الْأَصْحَابِ كَشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ.
وَمِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ وَسَتَأْتِيكَ الصَّرَائِحُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِالرَّدِّ عَلَى هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَغْبِيَاءِ الْجَامِدِينَ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةٍ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَصْلِهَا بَلْ وَلَا فُهِمَتْ عَلَى وَجْهِهَا كَمَا يَتَبَيَّنُ لَك ذَلِكَ كَيْفَ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ - مِمَّنْ عَبَّرَ بِهَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ وَسَأُمْلِي عَلَيْك مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا مُسْتَكْثِرَة وَإِنْ احْتَاجَ ذَلِكَ إلَى طُولٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مُهِمٌّ جِدًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ كَيْفَ وَالْحُكَّامُ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَزَالُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نَقْضًا وَإِبْرَامًا وَآثَارًا وَإِلْزَامًا فَفَرِّغْ ذِهْنَكَ لَعَلَّكَ أَنْ تَفْهَمَ هَذَا الْمَقَامَ وَتَسْلَمَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ مَنْ غَلَبَهُ هَوَاهُ وَنَفْسُهُ مِنْ الزَّلَلِ وَالْمُلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مُقَدِّمَاتٍ وَلَوَاحِقَ فَلَا يُسْئِمَنَّكَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ فَرِيدَةً وَنَفَائِسَ عَدِيدَةً.
فَأَقُولُ الْحُكْمُ لُغَةً الْقَضَاءُ وَالْإِبْرَامُ وَالْإِتْقَانُ وَالْمَنْعُ وَالْإِحَاطَةُ وَاصْطِلَاحًا هُنَا مَا يَصْدُرُ مِنْ مُتَوَلٍّ عُمُومًا وَخُصُوصًا رَاجِعًا إلَى عَامٍّ مِنْ الْإِلْزَامَاتِ السَّابِقَةِ لَهُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالصِّحَّةُ لُغَةً زَوَالُ الْعِلَّةِ وَاصْطِلَاحًا مُوَافَقَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ وُقُوعًا أَوْ اسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ أَوْ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ أَوْ الِاعْتِدَادُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا حَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ أَنَّهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلصَّادِرِ مِنْ الْإِنْسَانِ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي نَفْيِهِ الْفَسَادُ عَنْهُ قَالَ فَخَرَجَ بِلَازِمَةِ الِاسْتِقْرَاءِ وَاللُّزُومِ وَالْقَبُولِ وَوَقْفِ الْعُقُودِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بِلَازِمٍ لِلصَّادِرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْمَوْقُوفُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ الْمِلْكُ لَا الصِّحَّةُ وَخَرَجَ بِالْإِنْسَانِ مَا صَدَرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَلَائِكَتِهِ وَكَذَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي التَّشْرِيعِ وَالْإِبْلَاغِ فَلَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِالْحَقِّ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ الْجِنِّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي حَالَهُمْ فِي التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ الْبَهَائِمِ فَلَا يُوصَفُ بِصِحَّةٍ وَلَا فَسَادٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ إلَّا مَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالْفَسَادِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ إظْهَارِ الْمُتَوَلِّي قَضَاؤُهُ بِنَحْوِ حَكَمْتُ فِي أَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَ وُجُودِهِ بِشَرَائِطِهِ الْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا.
وَأَمَّا فِي مُوجَبِ الشَّيْءِ بِفَتْحِ الْجِيم فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute