وَتَغْيِيرٌ لِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُونَ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ وَالتَّغْيِيرَ فِيهَا أَكْثَرُ.
(تَتِمَّةٌ) مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ الْأَرْضَ الْمَلُوكَةَ مُطْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ الشِّرْبُ فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَبِيعِ فَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا الدَّاخِلَةِ فِيهَا وَالْمُنْفَصِلَةِ عَنْهَا دَخَلَ قَالَ السُّبْكِيّ وَبَيْعُ حَقِّ الْمَاءِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي الشَّامِ فَإِنَّ غَالِبَ بُيُوتِهَا لَهَا حُقُوقُ مَاءٍ مِنْ مَجَارٍ وَقُفْزَانٍ تَنْتَهِي إلَى الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ بِحُقُوقِهَا فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ فِي ذَلِكَ فَيَجْعَلُونَ الْمَبِيعَ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ خَشَبَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمَا لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَيْضًا النَّهْرُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا لِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِاشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهَا.
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ لِلنَّهْرِ حَرِيمًا وَرَأَيْتُ فِي دِيَارِ مِصْرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَسْتَنْكِرُ الْعَمَائِرَ الَّتِي عَلَى حَافَّتَيْ النِّيلِ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَهَذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ مَا عُرِفَ حَالُهُ اهـ وَفِيهِ فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ وَبِبَعْضِ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرْتُهُ إلَى هُنَا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ مَعَ مَا قَرَّرْته قَبْلَهُ أَوَّلَ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُسْتَحَقَّةَ لِشِرْبٍ مَمْلُوكٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ إذَا بِيعَتْ لَا يَدْخُلُ شِرْبُهَا إلَّا إنْ نُصَّ عَلَيْهِ أَوْ قِيلَ بِحُقُوقِهَا بِخِلَافِ شِرْبِهَا غَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حُقُوقَ الدَّارِ مِنْ الْمَجَارِي وَالْقَنَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا إلَّا إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا.
وَلَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ دَخَلَتْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا وَقَوْلُهُ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ إلَخْ نَظِيرُهُ احْتِيَالُ الْوَرَّاقِينَ فِي مَكَّةَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ تِلْكَ الْحِيلَةَ السَّابِقَةَ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى جَمِيعِ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مَثَلًا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ إلَخْ مَا مَرَّ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْن الْحِيلَتَيْنِ أَنَّ حِيلَةَ الشَّامِيِّينَ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْخَشَبَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ النَّهْرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَنَّ النَّهْرَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِخِلَافِ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ وَتَبْطُلُ فِي أَحْوَالٍ كَمَا مَرَّتْ لَك كُلُّهَا وَاضِحَةً مُفَصَّلَةً لِأَنَّهُمَا إنْ أَرَادَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَهُمَا انْتَفَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ سَبَبِ الْبُطْلَانِ فِي حِيلَةِ الشَّامِيِّينَ لِأَنَّ الْمَكِّيِّينَ يُرِيدُونَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ وَالْمَجْرَى وَهُمَا مَمْلُوكَانِ.
وَالْجُزْءُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى وَحْدَهُ أَوْ الْمَنْبَعَ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مَضْبُوطٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ مِنْ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ صُورَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قُلْتُ نَعَمْ بِأَنْ يُرَدُّ الْبَيْعُ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ وَالْمَجْرَى بِلَفْظٍ لَا إيهَامَ فِيهِ كَ (بِعْتُكَ) قَرَارَ عَيْنِ كَذَا مَنْبَعًا وَمَجْرًى أَوْ مَنْبَعًا فَقَطْ أَوْ مَجْرًى فَقَطْ لَكِنْ إذَا وَقَعَ عَلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِجْرَاءَ فِي الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْمَجْرَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَاءِ الْمَنْبَعِ الْمَمْلُوكِ فَالْأَحْوَطُ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَالْمَجْرَى مَعًا وَمَرَّ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا بَاعَ بِئْرَ الْمَاءِ وَأَطْلَقَ أَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حَتَّى يُشْتَرَطَ أَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ.
فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ أَيْضًا تَمَحُّلُ حِيلَةٍ لِلشَّامِيِّينَ قُلْتُ أَمَّا فِي صُورَةِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُمْكِنُ لِأَنَّ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute