يَقُولَ قَبِلْت الْأَرْضَ بِخَمْسِينَ وَالشِّرْبَ بِخَمْسِينَ أَوْ يَقُولَ قَبِلْتهمَا بِمِائَةٍ لِمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته فِي نِصْفِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ أَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِالتَّفْصِيلِ فَيَكُون الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِهِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ مُفَصَّلًا مِثْله أَمْ مُجْمَلًا كَمَا بَيَّنْته فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِي وَقَوْلِهِمْ الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ يَحْمِلُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ التَّفْصِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْفَرْقَ بَيْن صُورَتِنَا هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ وَعَكْسَهَا الَّتِي هِيَ صُورَةُ الْخِلَافِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ آنِفًا وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِالْكِنَايَةِ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ نَوَى بِهَا الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ فَلَا يُعْدَل عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ وَأَمَّا إذَا غَابَ فَيَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يُرْسَلَ إلَيْهِ حَتَّى تُعْلَمَ نِيَّتُهُ.
[تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ التَّصْنِيفُ (أَحْمَدُك) اللَّهُمَّ أَنْ أَبْقَيْت فِي هَذَا الْعَالَمِ طَائِفَةً ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ إلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ أَنْ أُنْظَمَ فِي سِلْكِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ لِمَا أَنَّهُ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ قَاصِمًا لِظُهُورِ الْمُعَانِدِينَ بِحُجَّةِ مَنْطِقِهِ وَفَحْوَاهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ يَخْشَوْا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَا سِوَاهُ مَا قَامَ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ مَنْ فَرَغَ نَفْسَهُ لِلَّهِ وَرَاقَبَهُ فِي سِرِّهِ وَنَجَوَاهُ (أَمَّا بَعْدُ) .
فَإِنَّ الْعِلْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ تَزُلْ أَنْدِيَتُهُ غَاصَّةً بِأَهْلِهَا وَرِيَاضُهُ مُغْدِقَةً بِوَبْلِهَا وَحَدَائِقُهُ بِهَا حَدَقُ التَّحْقِيقِ مُحَدِّقَةٌ وَرُبُوعُهُ مَحْفُوظَةٌ بِلَوَامِعِ الْحُجَجِ الْمُوَثَّقَةِ وَعَرَائِسُهُ سَافِرَةُ النِّقَابِ لِمَنْ بَذَلَ لَهَا مِلْكَ نَفِيسَهُ مَصُونَةَ الْحِجَابِ عَمَّنْ تَطَاوَلَ إلَيْهَا بِمُجَرَّدِ تَمَنِّيه وَهَوِيسه وَأَهْلُهُ هُمْ قِوَامُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ وَعَلَيْهِمْ الْمُعَوَّلُ فِي عَقْلِ الشَّوَارِدِ وَتَقْيِيدِ الْأَوَابِد بِمُحَكِّمِ الْبُرْهَانِ وَوَاضِحِ التِّبْيَانِ لِمَا أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقَ أَنْ يُبَيِّنُوهُ وَلَا يَكْتُمُوهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا كَاَلَّذِينَ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَطَرَحُوهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِقَ بِأَذْيَالِهِمْ وَدَخَلَ تَحْت نِعَالِهِمْ وَتَأَسَّى بِأَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَتَأَهَّلَ لِفَهْمِ عِبَارَاتهمْ وَأَحَاطَ بِإِشَارَاتِهِمْ أَنْ لَا يَجْمُدَ عَلَى ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ وَأَنْ لَا يَرْكَنَ إلَى الْبِدْعَةِ وَالْعِنَادِ أَوْ الْجَهْلِ أَوْ الْبَطَالَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَكَفِّلٌ بِالْحِرْمَانِ وَقَاضٍ بِالْخِذْلَانِ نَسْأَلُ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْ الْمَهَالِكِ وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا أَوْضَحَ الْمَسَالِكِ أَنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
هَذَا وَالدَّاعِي لِي الْآن ثَالِثُ رَجَب أَسْأَلُ اللَّهَ نَيْلَ الْإِرْبَ إلَى تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُحْتَوِي عَلَى غَايَةٍ مِنْ التَّحْقِيقِ وَفَصْل الْخِطَابِ الْمَوْسُومِ (بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ) أَنَّهُ رُفِعَ إلَيَّ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ جَمَادِي الْآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَةِ شَوَّال فِي بَيْعِ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَأَجَبْت عَنْهُ بِجَوَابٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ السُّؤَالُ ثَانِيًا بِأَخْصَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَطُلِبَ مِنِّي اخْتِصَارُ الْجَوَابِ فَاخْتَصَرْته ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ جَمْعًا خَالَفُونِي فِي ذَلِكَ تَشَبُّثًا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ مَعَ أَنِّي بَيَّنْت فِي كُلٍّ مِنْ ذَيْنِك الْجَوَابَيْنِ مَعْنَاهُ وَمُجْمَلَهُ وَاسْتَدْلَلْت عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَقَوَاعِدِهِمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا لِذَلِكَ قِيلًا بَلْ أَفْتَوْا بِمَا سَيُنَبِّئُك عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وَكَيْفَ وَالْعُمْرُ قَدْ ذَهَبَ إمَّا فِي اللَّهْوِ وَالطَّرِبِ أَوْ فِي تَفَهُّمِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْ فِي تَحْصِيلِ الْحُطَامِ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ أَوْ مِنْ حَرَامٍ وَأَنِّي لِمَنْ هَذَا وَسْمُهُ وَتَأَسَّسَ عَلَيْهِ رَسْمُهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِالْبَرَازِ أَوْ يَقْرَبَ مِنْ هَذَا الْمَجَازِ تَاللَّهِ لِيُقَامُنَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُجَجِ مَا يَقْصِم ظُهُورَهُمْ وَيَمْنَعُ ظُهُورَهُمْ وَفَاءً بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ الْأَكِيدِ وَرَجَاءً لِحُصُولِ الْمَزِيدِ فَإِنَّ عَلَّامَ الْغُيُوبِ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْقُلُوبِ أَسْأَلُهُ بِعِزِّ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَمَالِ صَمَدِيَّتِهِ أَنْ يُعَاجِلَ مَنْ تَعَمَّدَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ عَصَبِيَّةً أَوْ عِنَادًا أَوْ هَوًى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute