للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إذَا خَرَجَ مِنْ إحْدَاهُمَا مَاءٌ نَقَصَ مَاءُ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ فَتْحُ إحْدَاهُمَا لِمَا بَعْدَهَا حَتَّى يُكْمِلَ رَيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْلَى وَأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ مِمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ بَعْدَهُمَا شُرْبٌ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ رَيِّهِمَا كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ الْمَعْرُوفُ، هَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْعَمَلَ بِهَا الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَمَلِ بِتَقْدِيمِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا بِهَذَا لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ الْمُحْيِيَ أَوَّلًا يَقْصِدُ الْقُرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَهُوَ عَمَلٌ بِظَنٍّ لَمْ يُعَارَضْ فَحَيْثُ عَارَضَتْهُ الْعَادَةُ قُدِّمَتْ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ سَافِلِهِ عَلَى عَالِيه يُبْطِلُ ذَلِكَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ تَقْدِيمُ إحْيَاءِ الْأَعْلَى كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ، وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمَاءِ لَا حَقَّ لِمُجَاوَرَتِهَا فِيهِ فَلِمَالِكِ كُلٍّ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَحَ بَعْدَ رَيِّهِ لِمَا يَلِي أَرْضَهُ وَلَا يُكَلَّفُ بَقَاءَ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ رَيَّ مُجَاوِرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ مَعَ السَّدِّ أَوْجَبَتْ شَيْئَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهَا صُيِّرَتْ كُلًّا مُسْتَقِلَّةً لَا حَقَّ لِلْمُجَاوِرَةِ فِيمَا يَصِيرُ مِنْ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا، ثَانِيهمَا: أَنَّهَا مَنَعَتْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الَّتِي يَصِلُ مَاؤُهَا لِمَا تَحْتَهَا وَهُنَا لَا يَصِلُ مَاءُ كُلٍّ إلَّا لِمَا يَلِيه فَقَطْ دُونَ مَا يَلِي مُجَاوِرَهُ فَكَانَ أَعْلَى بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِيه لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي مُجَاوِرَهُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَتَارَةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصَّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعَامِلِ؟ وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَحُزْهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ، وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ، أَمَّا إذَا نَوَى الْأَوَّلُ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الثَّانِي نَفْسَهُ فَيَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَقْفِ]

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته فِي الدَّارَيْنِ عَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت أَوْ وَقَفْت كَذَا عَلَى سَطْح فُلَان وَاطَّرَدَ فِي عُرْف الْقَائِل أَنَّ ذَلِكَ لِجِهَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْد قَوْمِهِ وَأَهْلِ نَاحِيَتِهِ أَوْ مَثَلًا ظَهَرَ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ سَطْحَ فُلَانٍ إنْ اطَّرَدَ عُرْف الْقَائِل بِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِهَةٍ مَعْلُومَة تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَّرِد عُرْفٌ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَلَا عِبْرَةٌ حِينَئِذٍ بِالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَاد؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا تَأْثِير لَهَا فِي نَحْوِ ذَلِكَ

[سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَد]

(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْض الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ: سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ التَّصْنِيف: أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ وَإِنْعَامِهِ وَأَشْكُرهُ عَلَى مَزَايَا فَضْلِهِ وَإِلْهَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَفُوزُ بِهَا مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ وَأَتَبَوَّأ مِنْهَا مَعَالِي الصَّوَابِ وَذُرْوَة سَنَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَنْقَذَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَعِيرِ الْبَاطِلِ وَظُلْمِ أَوْهَامِهِ وَهَدَانَا بِهِدَايَتِهِ الْعُظْمَى إلَى سُلُوك سَبِيلِ الْحَقِّ وَمُجَانَبَةِ وَعْرِهِ وَآثَامِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ قِيَامِهِ مَا صَدَقَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ عِنْد تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي إبَانَةِ الصَّوَابِ وَكَشْفِ خَفَايَا أَحْكَامِهِ.

(وَبَعْدُ) فَإِنِّي سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْف فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَة سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِالْمَنْقُولِ ثُمَّ رَأَيْت كَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيهَا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْقُولِ الَّذِي أَجَبْت بِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُفْرِدَهَا بِتَأْلِيفٍ لَطِيفٍ وَنَمُوذَج شَرِيف لِيَكْشِف

<<  <  ج: ص:  >  >>