الْغِطَاءَ عَنْ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَيَصِيرَ سَبَبًا لِلْإِحَاطَةِ بِأَكْثَرِ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ عَوِيصَات الْمَسَائِلِ الْوَعِرَةِ الْمَسَالِكِ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى فَيْضِ الْفَضْلِ الْجَزِيلِ وَالرِّضَاءِ الَّذِي هُوَ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٍ مِنْ وَاهِبِ الْعَطَايَا وَمَانِح الْمَزَايَا فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلَجَأَ فِي سَائِرِ أُمُورِهِ إلَيْهِ فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيل وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، (وَسَمَّيْته: سَوَابِغ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِف مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْر وَلَدِ) وَرَتَّبْته عَلَى بَابَيْنِ وَخَاتِمَةٍ
(الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي أَحَدِ شِقَّيْ السُّؤَالِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ) وَهُوَ أَنَّ شَخْصَيْنِ وَقَفَا بَيْتًا عَلَى بِنْتَيْهِمَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا ثُمَّ قَالَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبه لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَثَلًا فَإِذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَنْ بِنْتهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهَا بِنْتُهَا أَوْ أُخْتَهَا الَّتِي فِي دَرَجَتِهَا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِذَلِكَ هُوَ الْبِنْتُ دُونَ الْأُخْتِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي بَحْرِهِ وَعِبَارَتِهِ وَقَعَ بِأَهْلِ طَبَرِسْتَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ أَرْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا عَلَى أَنْ يُصْرَف مِنْهَا إلَى ابْن عَمَّتهَا زَيْدٍ سَهْمَانِ وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى ابْن بِنْتِهَا عَمْرٍو وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى أَخِيهَا بَكْرٍ وَذَكَرَتْ فِي قُبَالَة الْوَقْف أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ مَا عَاشُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر عَقِب كَانَ نَصِيبه مَصْرُوفًا لِشُرَكَائِهِ وَأَهْلِ طَبَقَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ ابْن عَمَّتهَا زَيْد عَنْ سَهْمَيْنِ وَتَرَك ثَلَاثَةَ أَوْلَاد فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَخُوهَا بَكْرٌ بَعْدُ عَنْ غَيْر عَقِب فَهَلْ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتِهَا زَيْدٍ؟ يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ: يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ خِلَافُهُ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِذَا انْتَقَلَ نَصِيبه إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو فَإِذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ جَمِيعُ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَسْهُم مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا إلَى أَوْلَادِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتهَا أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ أَنَّ الْعَشَرَة تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيب الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ صَارَتْ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْت كَافٍ فِي الْجَمِيع انْتَهَتْ عِبَارَة الْبَحْر وَنَقَلَهَا كَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهَا، وَهَذَا الْفَرْع مِمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْفَتَاوَى اهـ.
وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِبِنْتِهَا لَا لِأُخْتِهَا لِتَسَاوِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ، وَفِي التَّصْرِيح بِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبه لِشُرَكَائِهِ مَعَ عَدَم ذِكْر مَفْهُومِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَخَذَ الرُّويَانِيُّ وَوَالِده بِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ فِي صُورَتِهِمَا حَيْثُ جَعَلَا سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ مَعَ مَوْته فِي حَيَاة عَمْرٍو وَبَكْرٍ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي دَرَجَته؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَةَ وَقَفَتْ مَا مَرَّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ، وَكَأَنَّ قَضِيَّة الْعَطْف بِثُمَّ أَنْ لَا يَنْتَقِل شَيْء إلَى أَوْلَادهمْ مَا بَقِيَ أَحَد مِنْهُمْ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَتْ الشَّرْط الْمَذْكُور اقْتَضَى مَنْطُوقه أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إذَا مَاتَ أَحَدهمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ وَاقْتَضَى مَفْهُومه الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَد يَكُونُ نَصِيبه لِوَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاة مَنْ هُوَ فِي دَرَجَته فَلَا يَكُونُ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَته شَيْءٌ مِنْ حِصَّتِهِ حِينَئِذٍ، بَلْ هِيَ لِوَلَدِهِ فَكَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَتنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا انْتِقَال سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ بِطَرِيقِ الْقَصْد.
وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمَا أَوْ فِي عِبَارَةِ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَاهُ مُوَافَقَة لَا قَصْدًا وَاعْتِقَادًا قُلْت: صَرِيحُ عِبَارَتِهِمَا يُبْطِل ذَلِكَ، وَبَيَانه أَنَّهُمَا تَرَدَّدَا فِي أَنَّ نَصِيب بَكْرٍ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ إلَى عَمْرٍو الَّذِي فِي دَرَجَته وَحْده أَوْ إلَيْهِ وَإِلَى أَوْلَادِ زَيْد، فَقَضِيَّةُ تَرَدُّدِهِمَا فِي انْتِقَالِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ إنَّهُمَا جَازِمَانِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ انْتِقَال نَصِيب وَالِدهمْ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ تَرَدُّدُهُمَا فِي مُشَارَكَتهمْ لِمَنْ فِي دَرَجَة أَبِيهِمْ، وَإِنْ رَجَّحَ وَالِدُهُ مِنْهُ عَدَم الْمُشَارَكَةِ وَأَيْضًا فَجَعْلُهُمَا نَصِيب عُمَر وَعَشْرَة فَقَطْ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ زَيْدٍ لِسَهْمِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَأْخُذَا بِمَفْهُومِ قَوْلهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ.
لَكَانَا يَجْعَلَانِ سَهْمَيْ زَيْدٍ الْمَيِّتِ أَوَّلًا لِعَمْرِو وَبَكْرٍ فَيَصِير لِكُلِّ سِتَّة أَسْهُم وَهُمَا لَمْ يَجْعَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute