للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوَدٌ إلَّا إنْ مَنَعَتْهُنَّ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى مَا زَعَمَهُ أَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ وَهُنَّ مُتَسَبِّبَاتٌ وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَسْنَ مُتَسَبِّبَاتٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُنَّ فِعْلٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُنَّ تَرْكٌ وَهِيَ اسْتَقَلَّتْ بِالْقَطْعِ مَعَ عَدَمِ الرَّبْطِ فَإِذَا كَانَ مُهْلِكًا لَمْ يُبَاشِرْ الْمُهْلِكَ غَيْرُهَا وَإِذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ غَيْرُهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرِيكٌ أَصْلًا فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهَا إنْ تَعَمَّدَتْ قَتْلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَإِنْ عُفِيَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ فَدِيَةُ الْعَمْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْصُودِ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْعَصَبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ صَيَّرَهُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ وَقَاطِعًا لِفِعْلِ الْفَاصِدِ لِأَنَّ الْفَصْدَ بِذَاتِهِ لَيْسَ هُوَ الْقَاتِلُ وَإِنَّمَا الْقَاتِلُ تَرْكُ الْعَصْبِ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا نَظِيرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ فِيهَا مِنْ الْمَقْطُوعِ مَا يَقْطَعُ فِعْلَ الْقَاطِعِ فَنِيطَ الْهَلَاكُ بِهِ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ فُصِدَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَتَهَاوَنُوا فِي رَبْطِ مَحَلِّ الْفَصْدِ حَتَّى مَاتَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْقَوَدَ فِي هَذِهِ عَلَى الْفَاصِدِ وَحْدَهُ دُونَ الْحَاضِرِينَ لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ وَلَا قَاطِعَ لِفِعْلِهِ مِنْ الْمَفْصُودِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَاحِثَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا الْفَاصِدُ وَلَا غَيْرُهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمَا بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَطْعِ هُنَا كَالْفَصْدِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُهْلِكٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمُهْلِكَ تَرْكُ الرَّبْطِ هُنَا وَثَمَّ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ مَوْثُوقٌ بِهِ لَوْ رُبِطَ فِي الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فَالْهَلَاكُ يُنْسَبُ إلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ فَيَلْزَمُهُنَّ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَدِيَةُ الْعَمْدِ مُوَزَّعَةٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ وَأَمَّا لُزُومُ الضَّمَانِ لَهَا دُونَهُنَّ الَّذِي زَعَمَهُ ذَلِكَ الْبَاحِثُ فَبَعِيدٌ جِدًّا وَمِمَّا يُبْعِدُهُ أَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُنَّ دَخْلًا فِي الْجِنَايَةِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهَا وَعَدَمِ دَخْلٍ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِنَّ وَهُوَ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي أَلْغَازِهِ

وَمَنْ يَزِدْ جُرْمُهُ يَنْقُصْ مُؤَاخَذَةً ... وَيَفْتَدِي بَعْضَ مَا يَجْنِيهِ كَالْهَدَرِ

؟

(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ جُرْمُهُ إنْ ضَمَّ أَوَّلَهُ فَهُوَ فِيمَنْ فَعَلَ صَغِيرَةً ثُمَّ أَرَادَ كَبِيرَةً ثُمَّ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتَرْكُهُ لِلْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهَا مُكَفِّرٌ لِتِلْكَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا وَإِنْ كَسَرَ فَهُوَ فِي الْمِيزَانِ إنْ وَقَعَ كُلُّهُ فَأُتْلِفَ فَنِصْفُ الضَّمَانِ، أَوْ نِصْفُهُ فَكُلُّ الضَّمَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ]

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ زَوْجَيْنِ مُتَنَاكِحَيْنِ مَثَلًا أَوْ رَجُلَيْنِ مَثَلًا أَوْ جَمَاعَةٍ فِي سَفَرٍ مَثَلًا أَوْ بَيْتٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ بِهَا سُكَّانٌ أَوْ فِي صَحْنِهَا مَثَلًا أَوْ سِكَّتِهَا النَّافِذَةِ أَوْ غَيْرِ النَّافِذَةِ وَجَدْنَا بَيْنَهُمْ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَتِيلًا أَوْ مَيِّتًا يُحْتَمَلُ مَوْتُهُ وَخَنْقُهُ هَلْ يَكُونُ هَذَا لَوْثًا فِي الْجَمِيعِ مَثَلًا أَوْ فِي الْبَعْضِ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فَهَلْ يَدَّعِي وَلِيُّهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ السُّكَّانِ الَّذِينَ بِالدَّارِ جَمِيعًا لِاحْتِمَالِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَتْلِهِمْ جَمِيعًا، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا أَنْكَرَ وَتَسْقُطُ الدَّعْوَى عَنْ الْبَاقِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَى الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا لَوْثَ وَلَا دَعْوَى وَلَا قَسَامَةَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، أَوْ لَا فَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ أَعْلَاهُ إذَا ظَنَّهُ وَاتَّهَمَهُ وَهَلْ يُقْسِمُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا أَنْكَرَ أَوْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَ مَنْ عِنْدَهُ عَدَاوَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، أَوْ السُّكَّانِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ الْقَاتِلُ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَمْ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا ضَرَرًا؟

(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ فِي اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ مِنْ ظُهُورِ أَثَرٍ كَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْجُرْحِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَلَا لَوْثَ وَلَا قَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فَجْأَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَرُّضِ غَيْرِهِ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِيَبْحَثَ عَنْ قَاتِلِهِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَأَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي رَدِّهِ وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُورَ.

وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَثْبُتُ اللَّوْثُ وَالْقَسَامَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدَّعِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>