بِلَادُهُمْ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ دَارًا فَالْأَقْرَبُ.
هَكَذَا أَوْرَدَ الْقَوْلَيْنِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَبَعْضُهُمْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُمَا عَلَى مَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَتُضْرَبُ عَلَى الْأَقَارِبِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دُورُهُمْ سَوَاءٌ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ، وَلَا يُقَدَّمُ بِقُرْبِ دَارٍ مُطْلَقًا وَجَمِيعُ التَّفَارِيعِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ لِمَنْ بِبَلَدِ الْجَانِي لَا جَوَابَ لَهَا، وَأَمَّا تَفَارِيعُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهَا نَعَمْ مِنْ تِلْكَ التَّفَارِيعِ مَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَذْهَبِ فَلْنَذْكُرْ جَوَابَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ الْجَمِيعُ مُطْلَقًا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ الثُّلُثُ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ مَعَ رِعَايَةِ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفٍ وَالْمُتَوَسِّطُ لَا يُزَادُ عَلَى رُبُعٍ فَإِنْ وَفَّى الْأَقْرَبُونَ بِهَا لِكَثْرَتِهِمْ وَإِلَّا ضُرِبَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهَكَذَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى الْجَانِي وَكَذَا يَفْعَلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ لَمْ يُزَادُوا عَلَى الثُّلُثِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَا تُزَادُ السُّنُونَ عَلَى ثَلَاثٍ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ وُزِّعَ الثُّلُثُ فِي الْأُولَى وَأَدْوَنَ مِنْهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى الثُّلُثِ الثَّانِي وُزِّعَ عَلَيْهِمْ فِي سَنَةٍ ثَانِيَةٍ وَإِنْ زَادَ شَيْءٌ عَلَى الثُّلُثِ الثَّانِي وُزِّعَ عَلَيْهِمْ فِي سَنَةٍ ثَالِثَةٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْغَنِيِّ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ وَنِصْفٍ فِي الثَّلَاثِ مُطْلَقًا وَلَا عَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارٍ فِي الثَّلَاثِ مُطْلَقًا ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ إنَّمَا هُوَ نَقْدُ الْبَلَدِ ثُمَّ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ اشْتَرَى بِهِ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِبِلِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ ذَكَرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرَ نِصْفِ مَهْرِهَا لِتَفْوِيتِ الْبَكَارَةِ عَلَيْهَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِكَوْنِهِ أَذَاهَا بِإِزَالَتِهَا بِغَيْرِ الذَّكَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا إذَا دَاوَى طَبِيبٌ غَيْرَهُ فَهَلْ يَضْمَنُ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِالطِّبِّ وَتَوَلَّدَ الْهَلَاكُ مِنْ ذَلِكَ الدَّوَاءِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ضَمِنَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ يُطَبِّبُ وَلَمْ يَعْرِفْ الطِّبَّ فَهُوَ ضَامِنٌ» وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ بَلْ نَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ عَرَفَ الطِّبَّ وَأَخْطَأَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ وَخَصَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا إذَا قَالَ دَاوَانِي بِهَذَا أَمَّا إذَا قَالَ دَاوَانِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَضْمَنُ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ الْعَارِفُ مُطْلَقًا حَيْثُ أَخْطَأَ وَاسْتُدِلَّ لَهُ فِي الْخَادِمِ بِحَدِيثِ الْمَشْجُوجِ الَّذِي أَمَرُوهُ بِالْغُسْلِ فَمَاتَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضَمَّنَهُمْ هَذَا كُلَّهُ إذَا بَاشَرَ الطَّبِيبُ الدَّوَاءَ بِنَفْسِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ ابْلَعْ هَذَا فَفِي الْمُمَيِّزِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي غَيْرِهِ يَجِبُ الْقَوَدُ بِشُرُوطٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ كَأَنْ قَالَ تَفْعَلُ كَذَا أَوْ أَعْطَى الدَّوَاءَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يُخْطِئْ وَيُعَذَّرُ فِي خَطَئِهِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُ صَوْنًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَبْدَانِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ فِي الظُّفْرِ حُكُومَةٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ كَالشَّعْرِ فِيهِمَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا حَضَرَ نِسَاءٌ وِلَادَةَ ذَكَرٍ فَقَطَعَتْ إحْدَاهُنَّ سُرَّتَهُ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَنَهَاهَا الْبَاقِيَاتُ فَمَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ بِقَلِيلٍ فَهَلْ يُقْتَلْنَ مَثَلًا أَوْ هِيَ فَقَطْ؟ ؟
(فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مَعَ عَدَمِ الرَّبْطِ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ مَنَعَتْ الْبَاقِيَاتِ مِنْ الرَّبْطِ لَوْ أَرَدْنَ فِعْلَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْنَهُ فَهُنَّ آثِمَاتٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ جَمِيعًا فَإِذَا تَرَكْنَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ كَانَ لَهُنَّ دَخْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَوْ فَصَدَ شَخْصًا وَمَنَعَ الْمَفْصُودَ مِنْ الْعَصْبِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ قَالَ فَعَلَّقَا وُجُوبَ الْقَوَدِ بِالْمَنْعِ فَكَذَا هُنَا لَا يَلْزَمُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute