للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أَلَّفَ كِتَابًا وَسَمَّاهُ بِالنُّكَتِ الظِّرَافِ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْعَاهَاتِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ بِأَنْ قَالَ فُلَانٌ أَقْرَعُ وَفُلَانٌ أَصْلَعُ وَفُلَانٌ أَعْرَجُ وَفُلَانٌ أَبْرَصُ وَفُلَانٌ أَعْمَى وَأَفْرَدَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ بَابًا وَاسْتَطْرَدَ إلَى أَنْ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ بِنَحْوِ الصَّلَعِ وَعَزَاهُ لِنَاقِلِهِ زَاعِمًا أَنَّ هَذَا الْمُؤَلَّفَ مَوْعِظَةٌ هَذَا مَضْمُونُ مُؤَلَّفِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَهَلْ ذَلِكَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُبِيحُ ذِكْرَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا وَمَاذَا يَلْزَمُ مُؤَلِّفَهُ بِتَعَرُّضِهِ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ تَقْطِيعُ الْمُؤَلَّفِ الْمَذْكُورِ لِحُصُولِ التَّأَذِّي بِبَقَائِهِ وَانْتِشَارِهِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَعَمْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذْ الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا ذِكْرُك غَيْرَك بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ بَلَغَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي بَدَنِهِ كَطَوِيلٍ أَعْمَشَ أَعْوَرَ أَقْرَعَ أَسْوَدَ أَصْفَرَ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ فِعْلِهِ كَكَثِيرِ الْأَكْلِ أَوْ مَلْبَسِهِ كَوَاسِعِ الْكُمِّ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ دَارِهِ كَضَيِّقَةٍ سَوَاءٌ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَكَالْإِيمَاءِ قَالَ النَّوَوِيّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَكَذَا بِالْقَلْبِ قَالَا كَغَيْرِهِمَا وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ مَسَاءَةُ الْغَيْرِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْعِ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ وَهُوَ سِتَّةُ أُمُورٍ التَّظَلُّمُ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَالِاسْتِفْتَاءُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الشَّرِّ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالتَّجَاهُرِ بِالْفِسْقِ وَالسَّادِسُ أَنْ يُعْرَفَ إنْسَانٌ بِلَقَبٍ يُعْرَفُ عَنْ عَيْنِهِ كَالْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ فَقَدْ فَعَلَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ التَّعْرِيفِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَكْرَهُهُ صَاحِبُهُ لَوْ عَلِمَهُ بَعْد أَنْ صَارَ مَشْهُورًا بِهِ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ ذِكْرُهُ بِهِ لَا بِقَصْدِ التَّنْقِيصِ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْغِيبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْأَنْوَارِ فِي زِيَادَتِهِ عَلَيْهَا.

سَابِعًا وَهُوَ النَّصِيحَةُ الْعَامَّةُ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ بِأَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي التَّحْذِيرِ وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ هَذَا الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَسَاءَة الْغَيْرِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْع إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مَا مَرَّ فِيهِ وَذَلِكَ الشَّرْطُ مَفْقُودٌ هُنَا لِأَنَّ هَذَا الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى عُيُوبٍ اشْتَهَرَ بِهَا أَصْحَابُهَا بَلْ ذَكَرَ مَا لَمْ يُعْرَف إلَّا مِنْ جِهَةِ مُؤَلِّفِهِ فَكَانَ حَرَامًا إجْمَاعًا وَزَعْمُهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَكَرِ تِلْكَ الْعَاهَاتِ الْمَوْعِظَةَ زَعْمٌ بَاطِلٌ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ مِنْ مُسَوِّغَاتِ الْغِيبَةِ ذِكْرُ مَسَاوِئِ النَّاسِ لِيَتَّعِظَ بِذِكْرِهَا غَيْرُهُمْ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ لَهَا عُرِّفَ الصَّوَابَ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَإِلَّا عُزِّرَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ بَلْ رُبَّمَا يَجُرُّهُ اعْتِقَادُ حِلِّهَا لِذَلِكَ إلَى أَمْرٍ صَعْبٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا وَعْظَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَزْيِينِهِ الْقَبِيحَ حَتَّى يَظُنُّهُ الْجَاهِلُ الْأَحْمَقُ حَسَنًا فَيَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الذَّمِّ الْأَعْظَمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨] وَلَوْ تَأَمَّلَ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] لَرَدَّ هَذَا الْأَمْرَ قَبْلَ التَّأْلِيفِ فِيهِ إلَى أَئِمَّةِ الشَّرْعِ وَفَعَلَ بِقَضِيَّةِ مَا يَأْمُرُونَهُ بِهِ لَكِنَّ الِاسْتِبْدَادَ بِالْأُمُورِ الصَّعْبَةِ رُبَّمَا أَنْبَأَ عَنْ فَسَادِ الطَّوِيَّةِ وَغَلَبَةِ التَّعَصُّبِ لِلْبَاطِلِ فَعَلَى هَذَا الْمُؤَلِّفِ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ الْقَبِيحِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَأَعْرَاض الْمُسْلِمِينَ بِالثَّلْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ وَيَقُولَ سَبَقْت بِذَكَرِ ذَلِكَ.

وَلَوْلَا أَنَّ الْمُؤَرِّخِينَ نَقَلُوهُ إلَيْنَا لَمَا عَرَفْنَاهُ فَلَنَا بِهِمْ أُسْوَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُ هَلْ سُبِقَتْ بِهَذَا الِاخْتِرَاعِ الْقَبِيحِ وَمَنْ الَّذِي سَبَقَك لِذَلِكَ هَلْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ وَفِعْله كَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ وَأَضْرَابِهِمْ وَمَنْ سَبَقَهُمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِأَقْوَالِهِ وَلَا لِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْك بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يُبَالِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكُمَا فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكْتُمَا وَلَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا اسْتِفْتَاءٌ طَوِيلٌ فِي الْمُؤَرِّخِينَ وَاَلَّذِي آلَ إلَيْهِ أَجْوِبَةُ مُحَقِّقِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُؤَرِّخِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ الْمَسَاوِئِ إلَّا مَا يَقْدَحُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>