لَمْ يُسْتَحَبَّا لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ، فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْجَمْعِ الثَّانِي بَيْنَ تَنَاقُضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ: الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَدْبِ الْإِتْيَانِ بِالْأَذَانِ مُطْلَقًا.
وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي نَدْبِ الرَّفْعِ لَهُمْ، فَإِنْ انْصَرَفَ الْأَوَّلُونَ فَلَا رَفْعَ لِلْإِيهَامِ، وَإِلَّا سُنَّ. وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيّ التَّقْيِيدَ بِانْصِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ - يُرَدُّ بِأَنَّ الْإِيهَامَ فِي حَقِّهِمْ أَشَقُّ لِحُضُورِهِمْ، فَرُوعُوا دُونَ غَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ، إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْته، وَالْوَجْهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى، عَلَى أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ يُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْمَسَاجِدُ، وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا إحْيَاءً لَهُ وَتَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ، إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا، وَأَحَطْت بِهِ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ: إذَا صَلَّى بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ جَمَاعَةٌ، أَوْ وَاحِدٌ سُنَّ لِلْبَاقِينَ الْأَذَانُ ثَانِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ وَصَلَّوْا بِالْأَوَّلِ وَقَدْ سَمِعُوهُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِهِ لِلْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّينَ. وَاتَّضَحَ لَك أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ وَإِنَّمَا يُقَالُ. .. إلَخْ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ مُطْلَقًا. لَكِنْ إنْ كَانَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَأَكَّدْ لَهُمْ؛ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ وَإِلَّا تَأَكَّدَ لَهُمْ، وَكُرِهَ لَهُمْ تَرْكُهُ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِحُكْمِ أَذَانِ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ الْمَفْهُومُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ الْأَذَانَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا كُرِهَ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ ثَانِيًا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِأَخْذِ حُكْمِ أَذَانِهِمْ نَدْبَهُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي تَرْكِهِمْ لَهُ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ فَحَيْثُ وُجِدَ أَجْزَأَ عَمَّنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ، وَلَا تُؤَثِّرُ صَلَاتُهُ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]
سُئِلَ - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، مَا حَدُّهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَالْبَغَوِيُّ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءَ. وَبَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، لَا يُقَالُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْقَصْرِ مِنْ جَوَازِهِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ، أَوْ الْعُمْرَانِ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مِيلًا وَلَا مَحَلًّا لَا يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ، وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ بِخُطًى يَسِيرَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا اشْتِبَاهٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقْصِدِ الَّذِي يُسَافِرُ إلَيْهِ، فَفِي نَحْوِ الْقَصْرِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِي نَحْوِ التَّنَفُّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى مِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْقَصْرِ بِمُجَاوَزَةِ مَا ذُكِرَ - فَمِثْلُهُ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَاوَزَتِهِ، فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُجَاوَزَةِ السُّورِ وَنَحْوِهِ، وَيَخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْصِدِ فَبَطَل مَا تُوُهِّمَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَعْمَى أَنْ يَمَسَّ الْقِبْلَةَ إذَا أَمْكَنَهُ أَوْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَيْهَا أَوْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ؛ بِأَنْ أَخْبَرَهُ جَمَاعَةٌ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْكَعْبَةِ، أَوْ الْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ، وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ؛ مَا لَمْ يَصِلْ لِعَدَدِ التَّوَاتُرِ، أَوْ يَكُونُ نَشَأَ بِمَكَّةَ، أَوْ بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَارْتَسَمَ فِي ذِهْنِهِ مِنْ الْأَمَارَاتِ مَا يَحْصُلُ لَهُ الْيَقِينُ الْجَازِمُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسُّ أَخْذًا مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ؛ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: لِلضَّرِيرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الرُّجُوعُ إلَى خَبَرِ الْمُعَايِنِ لِلْكَعْبَةِ إنْ كَانَ جَمْعًا يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute