اعْتَبَرُوا قَصْدَ الْمُؤَذِّنِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ كَانَ أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ وَاحِدٍ جَمِيعَ كَلِمَاتِهِ مَا عَدَا التَّرْجِيعَ؛؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ الْإِعْلَامُ، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ نَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الذِّكْرُ لَا الْإِعْلَامُ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْقِدَاحِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ، قُلْت: لَا نُسَلِّمُ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا يَرْجِعُ لِلصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ دُونَ غَيْرِهِ، فَاعْتِبَارُهُمْ الْقَصْدَ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِهِ مُطْلَقًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي مَحَلٍّ صَغِيرٍ، أَوْ مُتَعَدِّدُونَ فِي كَبِيرٍ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُؤَذِّنُ إلَّا نَفْسَهُ، وَسِرُّهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إنْ كَانَ نُصِّبَ لِلْأَذَانِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ أَذَانِهِ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنَصَّبْ لَهُ، أَوْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَيَبَرُّ لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن جَمَاعَةً وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَقَعَ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي فَضَاءٍ مُنْفَرِدًا، مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنَظِيرِهِ؛ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي حَلْقَةِ ذِكْرٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا لَوْ جَلَسَ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَحَلَفَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِ الرَّوْضَةِ مِنْ الْجَنَّةِ.
أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُصَلِّي فِي الْفَضَاءِ وَالْجَالِسِ فِي الْحَلْقَةِ، أَوْ الرَّوْضَةِ لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا فِي الْجَنَّةِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا حَقِيقَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَهُ؛ هَلْ هُوَ مَعَ اقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي عَيْنِ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَتَعَبَّدُونَ وَرَاءَهُ لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَةُ صَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ، أَوْ يَدْعُونَ لَهُ؟ إذْ الصَّلَاةُ لُغَةً: الدُّعَاءُ؛ فَلَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا دَرْكُ ذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ نَزَّلْنَاهُ مُنْفَرِدًا.
وَقُلْنَا: لَيْسَ لَك أَنْ تَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ فَعَلْت بَطَلَتْ صَلَاتُك؛ لِأَنَّك مُنْفَرِدٌ يَقِينًا، وَالِاقْتِدَاءُ بِك مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَك نِيَّةُ الْإِمَامَةِ مَعَ الشَّكِّ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَنِي اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْمُنْفَرِدِ إذَا صَلَّوْا بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الْجَمَاعَةُ هَلْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ؛ أَخْذًا مِنْ. قَوْلِ الْإِسْنَوِيّ؟
(وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ) أَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ.
وَإِنَّمَا يُقَالُ: إنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ وَحْدَهُمْ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَجَاءَ شَخْصٌ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجَمَاعَةَ بِأَذَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ أَذَانٍ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْخُذُ حُكْمَ أَذَانِهِمْ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ؛ وَهِيَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا: هَلْ الْأَذَانُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: الثَّانِي؛ وَمِنْ ثَمَّ يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ.
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهَا يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ بَلْ لِإِثْبَاتِهِ؛ إذْ هَذَا هُوَ شَأْنُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا، وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَنَّهُ: إنْ كَانَ سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ.
وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَأَكَّدُ حَتَّى لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ، أَوْ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ