للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثَمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته. وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا مَرَّ. انْتَهَتْ، وَفِيهِ أَيْضًا: وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ؛ وَوُجِّهَ بِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لَهَا بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّهَا. وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِهَا أَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِهَا تَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ. انْتَهَتْ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَصْحَابِ: يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ وَحُمِلَ الْإِجْزَاءُ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّرْكِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا جَمَعْتُ بِهِ بَيْنَ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ - تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَقَامَيْنِ: إسْقَاطُ الطَّلَبِ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ؛ وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ مُتَفَرِّقَاتُ كَلِمَاتِهِمْ الْمُوهِمَةُ لِلتَّنَافِي عِنْدَ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي سِيَاقِهَا وَمَدَارِكِهَا، فَإِنْ قُلْت صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي إيجَازِهِ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَجَابَهُ وَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ بِهَذَا الْأَذَانِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إسْقَاطِ الطَّلَبِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ تَكْرَارِ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ قُلْت: كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَرْدُودٌ

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ نَدْبَ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ يَخْدِشُهُ؛ أَيْ: لِأَنَّ قِيَاسَ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا يَقْتَضِي نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ، وَلَا يُنَافِيه عَدَمُ نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُ قَصْدًا؛ وَكَلَامُنَا هُنَا فِيمَنْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُعَادَةٍ لَكِنْ سَمِعَهُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَهَلْ هَذَا الْأَذَانُ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى يُسَنَّ لَهُ إجَابَتُهُ، أَوْ لَا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَبَعِيَّتُهُ لِغَيْرِهِ لَا اسْتِقْلَالًا؛ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْت: كَانَ قِيَاسُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ تَكْرِيرُ الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ أَيْ الْمُتَوَالِيَةِ وَالْمَجْمُوعَتَيْنِ أَيْ: الْمُتَوَالِيَتَيْنِ، قُلْت: عَارَضَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَالَى بَيْنَهُمَا كَانَ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ فَلَمْ يُفْرَدْ بِأَذَانٍ ثَانٍ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ لِمَ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا. فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ؛ أَنَّ الْعَصْرَ فِي حُكْمِ التَّابِعَةِ لِلظُّهْرِ هُنَا. قَالَ: وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِنَدْبِ الْأَذَانِ لِلْكُلِّ غَلَطٌ. فَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَادِمِ هُنَا، وَفِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا. وَنَظَرُ الْإِسْنَوِيُّ فِي نَدْبِ الْأَذَانِ فِي وَقْتِ الْأُولَى؛ أَيْ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إذَا نَوَى جَمْعَ التَّأْخِيرِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ أَيْ: الْمَفْرُوضَةِ، وَفِي الْجَدِيدِ غَيْرِ الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ. وَتُقَاسُ الْفَوَائِتُ بِالْمَجْمُوعَتَيْنِ اهـ.

فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حَقًّا لِلْفَرْضِ لَا لِلْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْجَمَاعَةِ؟ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ؛ بَلْ نَفْيُ تَقَيُّدِهِ بِالْجَمَاعَةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُنْفَرِدُ، وَإِثْبَاتُ تَقَيُّدِهِ بِالْفَرْضِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمُعَادَةُ؛ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَنْقَدِحُ. .. إلَخْ فَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْقَدِحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَدَارَ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الطَّلَبِ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّوَابِ عَلَى وُقُوعِ الْأَذَانِ مِنْ كُلٍّ سَوَاءٌ الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ إلَّا فِيمَا مَرَّ فِيمَنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْجَمْعِ بِمَا قَدَّمْته. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ مَدَارَ الْإِسْقَاطِ وَالثَّوَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ اُتُّجِهَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا بِدُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَذَّنَ لَهَا، نَعَمْ، الظَّاهِرُ أَنَّ أَذَانَهُ لَا يَقَعُ لِلْجَمَاعَةِ حَتَّى يُثَابُوا عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَأْمُرُوهُ بِالْأَذَانِ لَهُمْ، أَوْ يَتَسَبَّبُوا فِيهِ وَيُؤَذِّنُ بِقَصْدِهِمْ؛ أَمَّا لَوْ أَذَّنَ بِقَصْدِ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِهِمْ وَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَأْذِينِهِ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ، أَوْ تَسَبَّبَ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى حُصُولِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِهَا مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>