للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُنَّ الرَّفْعُ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْرَهَ؛ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْرُوقٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ يَأْذَنْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ، أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَنَّ الْأَذَانُ لَهَا، وَكَيْفَ يُسَنُّ الدُّعَاءُ إلَيْهَا مَعَ كَرَاهَتِهَا وَمَعَ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ؛ إذْ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْإِسْرَارِ بِشَيْءٍ مِنْهُ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِذَاتِ الْجَمَاعَةِ؛ بَلْ الْأَمْرُ خَارِجٌ عَنْهَا، كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا غَائِبًا.

وَإِنَّمَا يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ فَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُ نَدْبَ الْأَذَانِ لَهَا كَمَا لَوْ أُقِيمَتْ فِي نَحْوِ حَمَّامٍ، وَبِأَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ عَلَى الْجَدِيدِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ؛ وَعَلَيْهِمَا فَلَيْسَ وَسِيلَةً لِلْجَمَاعَةِ، أَوْ حَقًّا لِلْجَمَاعَةِ، عَلَى مَا فِي الْإِمْلَاءِ؛ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي مَا ذَكَرُوهُ، وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. فَيُسَنُّ الرَّفْعُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِتَنْظِيرِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى؛ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ كَذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ) أَغْرَبَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَطَعَ بِتَحْرِيمِ إقَامَةِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ بِوِلَايَةِ سُلْطَانٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقَاطُعِ وَشَقِّ الْعَصَا وَتَفْرِيقِ الْجَمَاعَاتِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ اهـ.

كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمْعٌ، وَعِبَارَتُهُ: لَمْ يَجُزْ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِحَمْلِهَا عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوقِ؛ أَمَّا الْمَطْرُوقُ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَكَالْجَوَامِعِ فَلَا يُكْرَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا مِرَارًا. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ -: بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَطْرُوقِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَسُقْتهَا مَعَ طُولِهَا؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ سِيَّمَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا مَعَ النَّظَرِ لِمَا قَدَّمْته فِي بَيَانِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةً فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا وَثَالِثًا.

وَهَكَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالْأَوَّلِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَتَأَمَّلْ أَيْضًا رَدَّ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ. .. إلَخْ تَجِدْهُ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ أَيْضًا.

وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا -

(وَيُسَنُّ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ) وَفِي الْقَدِيمِ - عَلَى نِزَاعٍ فِي ثُبُوتِهِ - بَلْ غَلِطَ فِي التَّنْقِيحِ مَنْ أَثْبَتَهُ، لَا يُسَنُّ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ - أَيْ: الْقَدِيمِ - بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ عَمَلٌ بِقَضِيَّةِ الْأَذَانِ؛ إذْ هُوَ الدُّعَاءُ لِلصَّلَاةِ فَوَقَعَ أَذَانُ الْغَيْرِ مُجْزِئًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَهُ بِخِلَافِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ فِي الْفَائِتَةِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْهُ وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِمَّا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ؛ وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ قَوْلَهُ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ عَلَى مَا إذَا فُعِلَتْ جَمَاعَةً؛ قَالَ: لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا؛ فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، كَيْفَ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ؛ حَتَّى مِنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ حَكَى مُقَابِلَهُ قَوْلَيْنِ؛ عَدَمُ الْأَذَانِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ (وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ) كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهُ يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهَ لَهُ تَرْكُهُمَا؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا لَهُ، وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ

وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ خِلَافُهُ، ثَمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>