الطَّلَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِسُقُوطِ الْكَرَاهَةِ الْمُتَرَتَّبَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ، وَالثَّانِي: حُصُولُ فَضِيلَةِ الْأَذَانِ؛ فَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَكْفِي أَذَانٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ؛ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي فَلَا يَكْفِي الْأَذَانُ الْوَاحِدُ إلَّا عَنْ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ.
وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: تَحْصُلُ سُنَّةُ الْأَذَانِ بِظُهُورِهِ مِنْ نَحْوِ بَلَدٍ صَغِيرٍ، أَوْ مَوَاضِعَ مِنْ كَبِيرٍ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ أَصْغَى لَهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِيَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ؛ قَالَ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ - عَنْ جَمْعٍ -: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهِ سَقَطَ بِفِعْلِهِ لِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ، ثَمَّ صَوَّبَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ؛ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثَمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَصَلَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ فَرْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْخَادِمِ فَارِقًا بِأَنَّ الشِّعَارَ الْمَفْرُوضَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ، وَالْإِعْلَامَ الْمَنْدُوبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْخَمْسِ، فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أُقِيمَتْ بِمَحَلٍّ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ الشِّعَارُ لَمْ يَكْفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ هُنَا فِي الْجَانِبِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ حُصُولُهَا، قُلْت: الْقَصْدُ بِظُهُورِ الشِّعَارِ فِي الْجَمَاعَةِ تَعَدُّدُهَا بِمَحَالٍّ؛ بِحَيْثُ يَسْهُلُ حُضُورُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهَا؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى حِدَتِهِ لِتَأَتِّيه مِنْهُ؛ فَلِذَا حَصَلَتْ سُنَّتُهُ وَسَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَقَطْ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ.
وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَفِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ إلَيْهَا، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. وَأَيْضًا مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ كَوْنِهِمَا وَسِيلَةً، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ.
وَسَيَأْتِي قَرِيبًا نَظِيرُ ذَلِكَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت: تَعْبِيرُهُمْ بِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ بِمَا تَقَرَّرَ يُنَافِي مَا اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ فَقَطْ قُلْت: لَا يُنَافِيه بَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ تَحْصُلُ سُنَّةُ التَّحِيَّةِ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ آخَرَ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْحُصُولِ ثَمَّ سُقُوطُ الطَّلَبِ تَارَةً وَحُصُولُ الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ أُخْرَى، فَكَذَا هُنَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ نَدْبِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا - بَعْدَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ -: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَفَرَّعَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ لِجَمْعٍ لَمْ يُسَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ نَدْبُهُ لِكُلٍّ، كَمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. وَإِذَا أَتَى بِهَا أَحَدُ الْآكِلِينَ لَا نَقُولُ لِلْبَقِيَّةِ لَا يُسَنُّ لَكُمْ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَالُ لَهُمْ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ -: سَقَطَ عَنْكُمْ حَرَجُ تَرْكِهَا فَقَطْ، وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ.
وَفِيهَا كَاَلَّذِي قَبْلَهَا أَوْضَحُ شَاهِدٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ بَلْ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْمُصْغِي إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالثَّانِي - أَعْنِي أَنَّ الْأَذَانَ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ وَثَوَابُهُ إلَّا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ - قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ -: وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ لِجَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ أُرِيدَ إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعِ مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ مَطْرُوقًا وَأُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ، أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى وَانْصَرَفُوا؛ فَيُسَنُّ حِينَئِذٍ الْأَذَانُ لَكِنْ بِلَا مُبَالَغَةٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يُوهِمَ السَّامِعِينَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَتَبِعَ فِي نَفْيِ الْمُبَالَغَةِ دُونَ أَصْلِ الرَّفْعِ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا فِي الْخَادِمِ.
وَكَذَا الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِلَا رَفْعٍ بَالِغٍ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ اهـ.
وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ التَّحْقِيقِ: وَحَيْثُ لَا يَرْفَعُ. قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَالْإِمَامَ مِنْ عِنْدِهِ، لَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَلَا قَوْلُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَيُسِرُّ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ.
أَمَّا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ فَيُسَنُّ لَهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى؛ وَلَا إيهَامَ، وَحَيْثُ