ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ؛ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ عِنْدَ هَذَا النِّدَاءِ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِيهِمَا صَدَقَةُ السَّمِينُ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الثَّانِي: مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ. أَنَّهُ يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ حَالَ سَمَاعِهِ الْأَذَانُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ وَمُقَيَّدٌ وَهُمَا مُطْلَقَانِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا، وَمَعْنَى حَلَّتْ: وَجَبَتْ، كَمَا صَحَّ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ. فَمُضَارِعُهُ: تَحِلُّ؛ بِكَسْرِ الْحَاءِ،، أَوْ اسْتَحَقَّتْ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِ، فَمُضَارِعُهُ بِضَمِّهَا؛ لَا مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلَامُ " لَهُ " بِمَعْنَى: عَلَى؛ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: حَلَّتْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِقَائِلِ ذَلِكَ؛ أَعْظَمُهَا - أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ شَفَاعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ مَخْصُوصَةٌ؛ إذْ شَفَاعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَامَّةُ تَشْمَلُ مُذْنِبِي أُمَّتِهِ قَبْلُ، وَلَا يَنَالُ هَذَا الثَّوَابَ إلَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا مُسْتَحْضِرًا إجْلَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا مَنْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَنَحْوِهِ.
وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْحُفَّاظِ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَوْ أَخْرَجَ الْغَافِلَ اللَّاهِي لَكَانَ أَشْبَهَ. وَفَائِدَةُ طَلَبِ الْوَسِيلَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ يَرْجُوهَا، وَرَجَاؤُهُ لَا يَخِيبُ - عَوْدُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ عَلَيْنَا؛ بِامْتِثَالِ مَا أُمِرْنَا بِهِ فِي جِهَتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ؛ حَيْثُ يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبَ الْعَبْدِ الْمُحْتَاجِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي صَلَاتِنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهَا لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الْجَلِيلَةِ؛ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاعْتَنِ بِحِفْظِهِ وَتَحْقِيقِهِ. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ، وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ.
(فَائِدَةٌ) قَدْ أَحْدَثَ الْمُؤَذِّنُونَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَقِبَ الْأَذَانِ لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ؛ إلَّا الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى الْأَذَانِ؛ وَإِلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ غَالِبًا لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَكَانَ ابْتِدَاءُ حُدُوثِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ وَبِأَمْرِهِ فِي مِصْرَ وَأَعْمَالِهَا. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمَخْذُولَ لَمَّا قُتِلَ أَمَرَتْ أُخْتُهُ الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي حَقِّ وَلَدِهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الطَّاهِرِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ السَّلَامُ عَلَى الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ إلَى أَنْ أَبْطَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ وَجَعَلَ بَدَلَهُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنِعْمَ مَا فَعَلَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَلَقَدْ اُسْتُفْتِيَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُؤَذِّنُونَ فَأَفْتَوْا بِأَنَّ الْأَصْلَ سُنَّةٌ وَالْكَيْفِيَّةُ بِدْعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَتَانِ مُتَرَتِّبَتَانِ بِأَذَانٍ سَابِقٍ لَهُمَا فَهَلْ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَضِيلَةُ الْأَذَانِ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُؤَذِّنِ، أَوْ دُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنْ قَصَدَ الْأُولَى مَثَلًا، أَوْ صَلَّى مَعَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْأَذَانِ، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: سُقُوطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute