للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَسْتَنِدُوا فِيمَا قَالُوهُ إلَّا لِمَحْضِ الْعِنَادِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْجُمُودِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةٍ لَمْ يُؤَيِّدْهُ بِنَقْلٍ وَلَا بِأَدْنَى تَأْيِيدٍ هَذَا مَعَ صَرِيحِ عِبَارَاتِ الْأَئِمَّةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ حَتَّى صَارَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْإِيضَاحِ وَالظُّهُورِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.

[الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّةَ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِنِيَّتِهِمَا لِأَنَّ بَيْعَ الْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ بَيْعِ الْمَاءِ وَمِلْكِهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَذَلِكَ الْقَرَارُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْبُعُ مِنْهُ أَوْ يَصِلَ إلَيْهِ ثُمَّ يُسْقَى مِنْهُ الْأَرَاضِي فَالْأَوَّلُ إنْ مَلَكَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعُ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فِي الْقَرَارِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ هُنَا إنْ قُدِّرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ بِنَحْوِ مِائَةِ رِطْلٍ لَا بِنَحْوِ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُهُمْ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْقَنَاةِ الْمُهَيَّأَةِ بِالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْبَيْع لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا حَقِيقِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ هِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِفْرَازِ ثُمَّ تَارَةً يَغْلِبُ شَبَهُهَا بِالْبَيْعِ وَتَارَةً يَغْلِبُ بِالْإِفْرَازِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ كَلَامًا طَوِيلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يُبَيِّن أَنَّ الْأَوْجُهَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُهَايَأَةِ مِنْ تَفَارِيعِ قَوْلِنَا بِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ يُمَلَّكُ أَوْ لَا يُمَلَّكُ بَلْ أَطْلَقَ الْكَلَامَ إطْلَاقًا تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ.

وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مَمْلُوكٌ فَكَيْفَ يَنْقَدِحُ الْقَوْلُ بِالْقِسْمَةِ مُهَايَأَةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كَلَامِهِمْ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي جَرَيَانِ الْمُهَايَأَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمِلْكِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ كُلٍّ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ فَالْمَاءُ الْجَارِي فِيهِ أَوْ الْوَاصِلُ إلَيْهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ ثُمَّ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ صَحَّ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَمَحَلُّ النَّبْعِ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ كَانَ أَعْنِي مَحَلَّ النَّبْعِ مَجْهُولًا وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ السَّقْيِ مِنْهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْآتِيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَدْخُلُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ الْمُسَمَّى بِالشِّرْبِ وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِمِلْكِ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ يَدٌ وَانْتِفَاعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ لَهُ وَلِلْمَاءِ النَّابِعِ لَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَعْنِي مِلْكَهُ لِمَحَلِّ النَّبْعِ وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حَفْرٌ أَوْ انْخَرَقَ حُكْمُنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَمَّا الْمَاء الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِي وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِي صُورَةِ مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَسْتَحِقَّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَحَلَّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْقَنَاة أَوْ مُجْتَمَعَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ فَإِذَا مَلَكَ الْأَوَّلُ مَلَكَ الْمَاءَ.

وَإِذَا مَلَكَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مِلْكَ الْمَاءِ وَبَيْعَهُ وَفِيهِ زِيَادَةُ بَسْطٍ تَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَاتِ الرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شِبْهِ تَنَاقُضٍ وَبِمَا قَرَّرْته إنْ فَهِمْتَهُ. تَعْلَمْ مَحَلَّ قَوْلِ الْبَحْرِ. لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِيَاهِ مِنْ الْقَنَاةِ وَالْعُيُونِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ وَالْحِيلَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>