ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْمَذْكُورِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا جَزَمَ بِبِنَائِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُدْرَى أَرَأَى كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ هَذَا أَمْ وَافَقَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؟ وَحِينَئِذٍ يَزُولُ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ إجْرَاءُ أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا
(فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ فَأَحْبَبْت إثْبَاتَهَا هُنَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ هِيَ وَمِيَاهُهَا شَرَطَ وَاقِفُهُمَا شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ لَا تُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا تُؤَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ السَّنَةُ الْأُولَى، وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ حَنَفِيٌّ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ وَغَيْرُهُ فَأَجَّرَ نَاظِرُهُ مِنْهُ أَرَاضِيَ وَمِيَاهَهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا فِي مِائَةِ عَقْدٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لِمَحْجُورَيْهِ ابْنَيْ ابْنِهِ مَثَلًا وَحَكَمَ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ شَافِعِيٌّ وَذَكَرَ مُوَرِّقُهُ مَا يَعْتَادَهُ الْمُوَرِّقُونَ فِي كُلِّ مُسْتَنَدٍ وَحُكْمٍ مَثَلًا وَهُوَ حُكْمٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ مُسْتَوْفِي شَرَائِطِهِ الشَّرْعِيَّةِ مَثَلًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ الْمُخَالِفَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِقَوْلِ الْمُوَرِّقِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا يُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مُسَوِّغٌ لِمُخَالَفَتِهِ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَالْمُوَرِّقُونَ؟ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَلَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ وَلَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ، وَالْمَسْئُولُ مِنْ تَفَضُّلَاتِ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ نُجُومُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الِاقْتِدَاءِ وَعَلَيْهِمْ الْمُعَوَّلُ فِي النَّوَائِبِ وَإِلَيْهِمْ الْمَلْجَأُ فِي الْمَصَائِبِ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ، الَّتِي أُكِلَ بِهَا مَالُ الْوَقْفِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مُسَوِّغٌ فِي مُسْتَنَدِ الْإِجَارَةِ وَلَا فِي الْخَارِجِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ نَصًّا، وَإِيضَاحُ حُكْمِ ذَلِكَ وَبَسْطُهُ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ لِيَصِلَ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ وَيَرْجِعَ الْمُعْتَدِي عَنْ تَعَدِّيهِ وَعِنَادِهِ وَخَرَقِهِ (فَأَجَبْت) : هَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: كَوْنُ النَّاظِرِ آجَرَ ابْنَيْ ابْنِهِ الْمَحْجُورَيْنِ لَهُ وَاسْتَأْجَرَ لَهُمَا وَهَذَا بَاطِلٌ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرُ كَمَا صَرَّحُوا بِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَقَالُوا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا وَيَجُوزُ لَهُ مَا يَجُوزُ لَهُمَا، وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِصْطَخْرِيِّ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ مِنْ الثَّانِي وَهُوَ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْإِجَارَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِهَا، وَإِنْ قَالَ الْمُوَرِّقُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَظْهَرَ أَنَّ إبْطَالَهُ لِلْإِجَارَةِ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ اسْتَوْفَى الْمُسَوِّغَاتِ الشَّرْعِيَّةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا مُسَوِّغَ لَهُ فَأَبْطَلَ الْإِجَارَةَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ مُسَوِّغٍ لَهُ بِأَنْ تَشْهَدَ الْآنَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ كَانَ خَرِبًا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ غَلَّتِهِ مَا يَعْمُرُ خَرَابَهُ، وَلَا يُمْكِنُ اقْتِرَاضُ مَا يَعْمُرُهُ وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِأُجْرَةِ تِلْكَ الْمِائَةِ سَنَةٍ إذْ هَذَا مُجَوِّزٌ لِمُخَالِفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَمَعَ وُجُودِ هَذَا الْمُسَوِّغِ وَإِقَامَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِهِ لَا تُمْكِن صِحَّةُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُبْطِلِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ اهـ
[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَجْرُ نَاظِرٍ عَلَى وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكَانَ الْمَوْقُوفَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ]
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي السُّؤَالِ الثَّانِي وَهُوَ أَجَرَ نَاظِرٌ عَلَى وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكَانَ الْمَوْقُوفَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِمُوجَبِهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَكْثَرُ مِنْ الْأُولَى أَوْ مُسَاوِيَةٌ لَهَا مَثَلًا بِأَنَّ تِلْكَ الْأُجْرَةَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَثَلًا فَهَلْ يَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَا تَنْفَسِخُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لِتَفْوِيتِهَا بِالْحُكْمِ؟ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا مِنْ إفْتَاءِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمُخَالَفَةِ السُّبْكِيّ لَهُ وَافْتِرَاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مُعْتَمَدِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَمُتَوَقَّفٌ فِيهِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوا الْحَقَّ فِيهِ بَيَانًا شَافِيًا فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ؟
الْجَوَابِ: قَدْ اُسْتُفْتِيت قَدِيمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَ الرَّافِعُ لِلسُّؤَالِ شَخْصًا مِنْ فُقَهَاءِ مَكَّةَ وَأَفَاضِلِهَا أَلْزَمَ بِالِاسْتِفْتَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَكَابِرِ الدَّوْلَةِ فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِقَرِيبٍ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ، فَرُفِعَتْ لِشَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ فِيهَا فَأَرَادَ الْحُكْمَ بِهَا حَتَّى يُخَلِّصَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْوَعْدِ بِإِرْضَاءِ وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ بِمَالٍ لَهُ صُورَةٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْمُسْتَأْجِرَ إلَى زَبِيدٍ وَغَيْرِهَا لِيَسْتَفْتِيَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْفَتَاوَى، فَأَظْهَرَ مَا يُوَافِقُهُ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ تَمَسُّكًا بِمَا أَفْتَيْت بِهِ
ثُمَّ تُمِّمَتْ صُورَةُ ذَلِكَ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا حَكَيْت ذَلِكَ؛ لِأَنِّي سَمِعْت عَنْ بَعْضِ الْمُسَاعِدِينَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute