للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا وَلَا يَتَعَدَّاهَا مُطْلَقًا.

وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا فِي نَاظِرٍ أَجَّرَ دَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَبَضَ مِنْهَا أُجْرَةَ الْأُولَى، وَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ مُعْسِرًا، بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسْخُهَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْبَاقِيَةِ لِتَنْفَرِدَ جِهَةُ الْوَقْفِ بِهَا، قَالَ: وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُ الْإِمْضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِمَحْجُورِهِ ثَوْبًا فَظَهَرَ مَعِيبًا وَالْمَصْلَحَةُ فِي رَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفِي الْخَادِمِ: قَضِيَّةُ إلْحَاقِ الْوَقْفِ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا جَوَازُ إجَارَتِهِ مِائَةَ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِهِ.

وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سُرَاقَةَ وَأَبِي الْفَرَجِ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْخَرَابِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ لِيُحْتَكَرَ اهـ. فَاشْتُرِطَ لِإِجَارَةِ الْخَرَابِ الْمَصْلَحَةُ فَكَيْفَ بِالْعَامِرِ

(فَائِدَةٌ) يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَوَّرُوا ذَلِكَ بِصُوَرٍ مِنْهَا إذَا حَكَمَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ الْخُلْعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسْخٌ، فَعِنْدَهُ تَجُوزُ إعَادَةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ، فَلَوْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ مَا حَكَمَ الْحَنْبَلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ حِينَئِذٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَكَيْفَ يَتَعَاطَاهُ فَإِذَا تَعَاطَاهُ نُقِضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَاطَاهُ حَنْبَلِيٌّ، وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِثُبُوتِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ بِالْخَطِّ وَحَكَمَ حَنَفِيٌّ بِصِحَّتِهِ، فَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ الْآنَ بِاتِّفَاقِ الْحَاكِمَيْنِ الْمَالِكِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ وَالْحَنَفِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْخَطِّ.

وَهَذَا كُلُّهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ صَلَّى وَبِهِ نَجَاسَةٌ كَلْبِيَّةٌ مُقَلِّدًا لِلْمَالِكِيِّ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، بَلْ رَكَّبَ فِيهَا قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ قَوْلِ آخَرَ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَائِلًا بِبُطْلَانِهَا الشَّافِعِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْمَالِكِيِّ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي مَتَى لَفَّقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ نُقِضَ حُكْمُهُ قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ الْمَنْسُوبِينَ لِلشَّافِعِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمَثَلُ هَؤُلَاءِ الْقُضَاةِ يَجِبُ عَزْلُهُمْ وَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُمْ اهـ.

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ الْإِجَارَةُ فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِشُرُوطِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، الْأَوَّلُ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى النَّفْسِ وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ زِيَادَتِهَا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِهَا مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدَيْنِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً إجْمَاعًا لِمَا تَقَرَّرَ لَا يُقَالُ: الْحُكْمُ بِشَرْطِهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَبَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ صَارَ الْوَقْفُ صَحِيحًا بَاطِنًا أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَى كَوْنِهِ صَحِيحًا بَاطِنًا أَنَّا نُنَفِّذُهُ وَنُلْزِمُ بِهِ وَنُدِيرُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ، لَكِنَّنَا نُرَاعِي مَعَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، فَلَا نَأْتِي بِمَا يُخَالِفُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّلْفِيقُ الْمَحْذُورُ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ نَعَمْ يَأْتِي قَرِيبًا آخِرَ مَسْأَلَةِ حُكْمِ مِيَاهِ مَرِّ الظَّهْرَانِ مَا فِيهِ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.

(تَنْبِيهٌ) أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِهِمَا كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، قَالَ مَا مَعْنَاهُ: وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأَقَرَّهُ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ ظَاهِرٍ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِشَرْطِهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَكَأَنَّهُ فَرَّعَ مَا قَالَهُ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ

لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ يَنْفُذُ بَاطِنًا إلَّا أَنَّهُ يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّ مَعْنَى نُفُوذِهِ بَاطِنًا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا إذَا حَكَمَ بِهَا حَنَفِيٌّ يَجُوزُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ أَخْذُهَا وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَأَمَّا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِهَا الشَّافِعِيُّ فَلَهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ أَوْ يُقَالُ: مَحَلُّ نُفُوذِهِ بَاطِنًا وَتَغْيِيرُهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ خَصْمَانِ، كَمَا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ خَصْمَانِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَاقِفَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ لِفَقْدِ تَحَقُّقِ التَّغَايُر فِيهِ بَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلِلنَّظَرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَجَالٌ فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ صَرَّحَ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>