للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّلَاحِيَّةِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ فِي التَّصَرُّفِ، وَاعْتِبَارُهُمَا كَاعْتِبَارِهِمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ انْتَهَتْ وَقَالَا أَيْضًا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ الْقَيِّمُ الَّذِي نَصَّبَهُ كَأَنَّهُ يُجْعَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوَصِيِّ اهـ.

وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اسْتِقْرَاضِ النَّاظِرِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ، وَاعْتَرَضَ السُّبْكِيّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ إذْنِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّاظِرَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّهُ يَقْتَرِضُ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ: أَنَّ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرًا فَإِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ

وَهُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الْحَاكِمِ دُونَ النَّاظِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ مُتَعَلِّقٍ بِسَائِرِ الْبُطُونِ، فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ النَّاظِرُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَيْ: وَإِنْ بَقِيَتْ آثَارُ تَصَرُّفِهِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى إذْنٍ لَهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُ وَجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُضَيَّقُ فِي النَّاظِرِ مَا لَا يُضَيَّقُ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى خِلَافٌ فِي الْفَسْخِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَجَّرَ بِهِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يَجِرْ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي إيجَارِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا إجَارَةَ الْوَقْفِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ بِشُرُوطِهَا لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، إذْ الْإِجَارَةُ إثْبَاتُ حَقٍّ بِرَقَبَةِ الْوَقْفِ مُتَعَلِّقٍ بِسَائِرِ الْبُطُونِ، فَلَمْ يَسْتَقِلَّ بِهِ النَّاظِرُ.

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: إيجَارُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ مُشَبَّهٌ بِإِيجَارِ مِلْكِ الْيَتِيمِ، وَهَذَا أَبْلَغُ تَصْرِيحٍ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إيجَارِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْغِبْطَةِ أَوْ الْحَاجَةِ، وَبِهَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ

صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمْ، بَلْ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْإِصْطَخْرِيِّ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لِلْوَاقِفِ تَوْلِيَةَ النَّظَرِ لِمَنْ شَاءَ مُطْلَقًا وَعَزْلَهُ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ، وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ إذَا خَافَ ضَيَاعَ الْوَقْفِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ، وَعِبَارَةُ الْخُوَارِزْمِيِّ فِي كَافِيهِ: الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ إذَا انْهَدَمَتْ وَخَرِبَتْ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا نَقْلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَتَحَرَّى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى رِعَايَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ اهـ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي فَتَاوَى الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ صَاحِبِ ابْنِ صَلَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ: عَنْ خَانٍ مَوْقُوفٍ دَائِرٍ وَبَقِيَتْ سَاحَتُهُ فِيهَا بَعْضُ مَخَازِنَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِمَنْ يَبْنِيهِ دَارًا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً؟

فَأَجَابَ: إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ جَازَ إيجَارُهُ لِمَنْ يَعْمُرُهُ مُدَّةً لَا يُنْسَى فِي مِثْلِهَا الْوَقْفُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ مُدَّةً لَا يُنْسَى فِيهَا، هَذَا مَعَ أَنَّهُ خَرَابٌ دَائِرٌ، فَكَيْفَ بِعَامِرٍ لَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ أَصْلًا.

وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَهُ الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ الْوَقْفُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي ضَرَرٍ فَيَزِيدُ وَيَعْمَلُ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ فِي الِاسْتِغْلَالِ، فَأَمَّا مَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ أَجَّرَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَجَبَ فَسْخُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَحْجُورِينَ وَالْأَوْقَافِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ.

وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَغَرَسَهَا وَبَنَاهَا وَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ مَصَالِحِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْأَرْضَ وَقْفٌ لِلْحَرَمَيْنِ، بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَجَّرَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِغَيْرِ مُعَمِّرِهَا إنْ كَانَ فِي إبْقَاءِ مَا ذُكِرَ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ بِأَخْذِ أُجْرَةٍ مُحَقَّقَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهَا لَوْ قُلِعَ مِنْهَا ذَلِكَ تُؤَجَّرُ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى النَّاظِرِ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ.

وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْأَمْلَاكِ لِلْمَالِكِ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ لِنَفْسِهِ الْأَصْلَحَ وَالنَّاظِرَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَالْغَاصِبِ فَلِلنَّاظِرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا، قُلْنَا: هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ النَّاظِرَ يَنْظُرُ فِي الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ فِي الْإِبْقَاءِ، وَلَا يُتْرَكُ الْمُحَقَّقُ لِلْمَوْهُومِ، وَهَذَا يَتَقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ اهـ. كَلَامُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَصَرُّفَ النَّاظِرِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَتَقَيَّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>