للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ التَّصَرُّفُ قَبْلَ إخْرَاجِ تِلْكَ الْوَصَايَا إلَّا فِي الْعَيْنِ الْمُتَعَلِّقَةِ تِلْكَ الْوَصَايَا بِهَا دُونَ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ فَكَيْفَ يُحْجَرُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي غَيْرِهَا.

وَإِنَّمَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ لَا غَيْرُ فَحُجِرَ عَلَيْهِ فِيهَا فَقَطْ وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيّ وَعَجِيبٌ مِنْ تَرْدِيدِ السَّائِلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مَعَ إحَاطَتِهِ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْته إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْأَلَةِ بَاطِنٌ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ السُّؤَالِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي شَرْحُ الصُّورَةِ كَمَا هِيَ لِيَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيه دَيْنٌ أَوْ غَائِبٌ وَلَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْوَارِثِ يُحْجَرُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثِهَا وَعَلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى فِي ثُلُثِهَا وَإِنْ مَلَكَهُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ بَقَاءُ غَيْرِهَا فَتَكُونُ كُلُّهَا لَهُ وَتَلِفَ غَيْرهَا فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَرُّفِهِمْ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَا يَحْتَمِلُ تَعْلِيقَ الْمُوصَى لَهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا الْوَصَايَا أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْعِ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهَا وَجْهٌ كَمَا مَرَّ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي هَلْ يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعِلْمِ مُرَاده بَعْدَ الْمَوْتِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ فَوَصِيَّةٌ أَوْ الْهِبَةَ النَّاجِزَةَ فَهِبَةٌ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَاضِي لَيْسَ وَصِيَّةً أَيْ صَرِيحًا وَقَوْلُ الزَّجَّاجِيِّ وَصِيَّة أَيْ إنْ أَرَادَهَا وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

(وَسُئِلَ) فِي مُسْتَوْدَعٍ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ الْمُودِعِ فِي دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى شَخْصَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لِيُسَافِرَا بِهَا إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فَطَلَبَ الشَّخْصَانِ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ فَسَافَرَا بِهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَة فَصَدَّقَهُمَا الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ الْتَمَسَ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْإِذْنِ فَشَهِدَ لَهُمَا وَلَدُ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَهُمَا الْحَاكِمُ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا الْوَدِيعَةَ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فِي الدَّفْعِ فَأَقَامَ الْمُسْتَوْدَعُ الْبَيِّنَةَ الْمَحْكُومَ بِهَا فَهَلْ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ لِلسَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ بِالْإِذْنِ مَقْبُولَةٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ إذْنُ الْمُودِعِ لِلْوَدِيعِ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَذْكُورَيْنِ فَأَلْزَمَ الْحَاكِمُ الْوَدِيعَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا بَرِيءَ وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إذْنُ الْمُودِعِ كَذَلِكَ أَثِمَ الْوَدِيعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا وَصَارَ بِهِ ضَامِنًا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِهِ عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ لَهُ إذَا طَالَبَاهُ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمَا عَلَى وَفْقِ إذْنِ الْمُودِعِ فَامْتَنَعَ وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا لَهُمَا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ لِإِنْكَارِهِ الْإِذْنَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِهِ لَهُ حِينَئِذٍ بِالْإِذْنِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ الْحَمَّامِيَّ فَسُرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الضَّيْفَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمُضِيفِ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ وَنَحْوَهَا فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ رَبَّ الْبَيْتِ فَسُرِقَتْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا أَوْ لَا يُؤْخَذُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ ثِيَابَ الضَّيْفِ الْمَذْكُورِ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَوْدَعَ رَجُلٌ آخَرَ عَيْنًا وَطَلَبَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَدِيعَتَهُ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا فِيهَا فَقَالَ الْمُودِعُ مَا أَوْدَعْتنِي إلَّا فِي زُبَيْدٍ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُنِي نَقْلُهَا إلَيْك فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ هُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْن الْوَدِيعَةِ وَمَالِكِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ بِمَكَّةَ فَنَقَلَهَا إلَى غَيْرِهَا وَادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِنَقْلِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي أَوْدَعَهُ فِيهَا كَانَ الْمَالِكُ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ خِيَانَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الْأَمِينُ أَوْصَلْت الْأَمَانَةَ لِمَالِكِهَا أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ لِأَمِينٍ آخَرَ عِنْدَ فَقْدِ أُولَئِكَ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا مِمَّنْ ذُكِرَ غَائِبٌ غَيْبَةً طَوِيلَةً فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَالْأَمِينُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى بَيْنَهُمَا نَحْو سَنَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَبْرَحْ الْأَمِينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>