تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لَهَا لَا غَيْرُ وَتَعَرَّضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي مَيْدَانِ الْفُرْسَانِ لِرَدِّ بَحْثِهِ هَذَا لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ رَدَّهُ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا لِلْوَرَثَةِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَشْمَلُهُ كَالْإِجَارَةِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَشْمَلُ الْأَعْيَانَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ نَظَرَ الْأَصَحُّ إلَى هَذَا فَقَالَ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ الْوَلَدَ بَلْ مَنَافِعَهُ فَقَطْ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهَا عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِهِ فِي نَحْوِ الثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لِلْوَارِثِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُوصَى بِهَا لَا تَشْمَلُ الْأَعْيَانَ بِوَجْهٍ وَمِنْهَا مَا فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا مَا تُمَلَّكُ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ كَكَلَامِ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ لَا تَشْمَلُ عَيْنًا أَصْلًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا مُطْلَقًا بَلْ تَبَعًا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلزَّرْكَشِيِّ إنَّمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ تُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ فَكَانَتْ كَالْأَعْيَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنَافِعِ هُنَا مَا يُقَابِلُ الْأَعْيَانَ وَفِيهِ أَيْضًا وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَنَافِعَ بِمَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ وَهَذَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْقَمُولِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَنَافِعِ عَيْنٌ أَصْلًا وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي سَتَحْدُثُ دُونَ الْحَمْلِ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ إحْدَاث أَمْرٍ فِي أَصْلِهَا كَالْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا بَلْ مَتْنُ الْمِنْهَاجِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ وَتَصِحُّ بِالْمَنَافِعِ وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ فَجَزَمَ بِصِحَّتِهَا بِالْمَنَافِعِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي صِحَّتِهَا بِثَمَرَةٍ سَتَحْدُثُ فَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ الَّتِي سَتَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ يَتَأَتَّ الْخِلَافُ كَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعُوا إلَّا مَنْ شَذَّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمِلْكِ أُجْرَةِ الْحِرْفَةِ وَالْمَهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْحِرْفَةِ بَدَلَ مَنْفَعَةٍ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا وَلَيْسَ بَدَلَ عَيْنٍ حَتَّى يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَعْيَانِ الَّتِي ذَكَرهَا وَلِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ أَيْضًا هِيَ الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ الِانْتِفَاعُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ فَلَيْسَ بَدَلَ عَيْنٍ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا لَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ فَلَمْ تَشْمَلْهُ الْمَنْفَعَةُ وَبِهِ يَتَّجِهُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا اسْتِشْهَادُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَهُوَ الْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْته لَكِنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ نَحْوُ الِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا أَوْ مُبَاحَةٍ جَازَ الِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُقْصَدُ وَلَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهَا رَبْطُ الدَّوَابِّ وَالْأَمْتِعَةِ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ عَلَيْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فَهَذَا هُوَ الْقَصْدُ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا نَعَمْ الْحَقُّ الَّذِي دَلَّ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا إلَّا نَحْوَ ثَمَرَتِهَا كَأَنْ لَمْ يُتَعَارَفْ عِنْدَهُمْ مَنْفَعَةٌ لِلنَّخْلَةِ إلَّا ثَمَرَتُهَا وَنَحْوُهَا وَإِلَّا نَحْوُ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا دَخَلَتْ الْعَيْنُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعُرْفَ يُخْرِجُ الْمَنْفَعَةَ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَيَصْرِفُهَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْفَوَائِدِ الشَّامِلَةِ لِلْأَعْيَانِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْن هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ مَنَافِعُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ إلَّا نَحْوُ الثَّمَرِ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَأَيْتنِي أَوْضَحْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَجَعَلَ الْوَصَايَا فِي عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تُنَفَّذَ الْوَصَايَا أَمْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا الْمُوصَى فِيهَا بِالْوَصِيَّةِ أَوْ يُقَالُ إنْ قَالَ الْمُوصِي أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ اُخْتُصَّ التَّعَلُّقُ بِهَا وَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمِيرَاثُ فِي الْعَبْدِ لِزَيْدٍ وَفَسَّرَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ بَيِّنُوهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ كَأَعْطَوْا فُلَانًا مِائَةً مِنْ أُجْرَةِ دَارِي أَوْ ثَمَنِهَا تَقَيَّدَتْ الْوَصِيَّةُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ مِنْهَا بَطَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ فِي بَاقِي التَّرِكَةِ وَبَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute