للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ]

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا يَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ مِلِيبَارَ مِنْ اللَّعِبِ بِنَحْوِ السُّيُوفِ الْمُحَدَّدَةِ وَالتَّضَارُبِ بِهَا اعْتِمَادًا عَلَى حِرَاسَتِهِمْ بِالتُّرْسِ وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ وَقَدْ يَقَعُ الْجُرْحُ وَقَدْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فَهَلْ هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّمْرِينُ حَتَّى يَنْفَعَ فِي الْحَرْبِ أَوْ لَا لِدُخُولِهِ فِي الْإِشَارَةِ عَلَى مُسْلِمٍ بِالسِّلَاحِ وَحَمْلِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا حَيْثُ قَالُوا يَجُوزُ وَلَوْ بِعِوَضِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى التَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَإِدَارَتِهَا وَالرِّمَاحِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ وَحِذْقٍ وَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ الْمُرَامَاةُ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ أَوْ السَّهْمَ إلَى الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بِعِوَضٍ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ وَلِأَنَّ التَّرَدُّدَ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ، وَمُرَامَاةِ الْأَحْجَارِ وَالسِّهَامِ قَدْ يَقَعُ فِيهَا جُرْحٌ وَهَلَاكٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَكَوْنُهُ نَافِعًا فِي الْحَرْبِ لَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ فِي التَّجْوِيزِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ فِي التَّجْوِيزِ بِعِوَضٍ أَلَا تَرَى إلَى تَجْوِيزِهِمْ الْمُرَامَاةَ بِالسِّهَامِ وَالْأَحْجَارِ بِلَا عِوَضٍ مَعَ عَدَمِ نَفْعِهَا فِي الْحَرْبِ.

وَلَيْسَ عِلَّةُ ذَلِكَ إلَّا غَلَبَةَ السَّلَامَةِ فِيهَا فَكَذَا مَا فِي السُّؤَالِ يَجُوزُ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ فِيهِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْإِشَارَةِ عَلَى مُسْلِمٍ بِالسِّلَاحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ فِي إشَارَةٍ مُخِيفَةٍ أَوْ يَتَوَلَّدُ عَنْهَا الْهَلَاكُ قَرِيبًا غَيْرُ نَادِرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(سُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَ عَدَّ الْأَصْحَابُ الرَّمْيَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْقُوَّةُ مُفَسَّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ بِالرَّمْيِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إمَّا لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَإِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بَقِيَ الْجَوَازُ الشَّامِلُ لِلنَّدْبِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْأَحَادِيثِ فِي كَثْرَةِ ثَوَابِ الرَّمْيِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَإِمَّا احْتِمَالُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِرْشَادِ وَلَا تَرِدُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْإِرْشَادِيَّ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَإِمَّا بِالنَّظَرِ لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ.

فَقَدْ يَعْظُمُ ثَوَابُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ يَقْتَرِنُ بِهِ وَهَذَا الْفَرْقُ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُومِئُ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُرُوقِ مِنْ الْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِرْشَادِيَّة وَإِمَّا أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى عُمُومِ مَا الْمُفَسَّرَةِ بِقُوَّةٍ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلرَّمْيِ وَغَيْرِهِ كَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالْحُصُونِ وَذُكُورِ الْخَيْلِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَفْظُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ هِيَ الْقَوْسُ إلَى السَّهْمِ فَمَا دُونَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» فَهُوَ مِنْ بَابِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» كَمَا قَالَهُ مَكْحُولٌ.

وَعَلَى هَذَا فَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ التَّهَيُّؤَ لِجِهَادِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِعْدَادَ لِمُلَاقَاتِهِ بِدُخُولِ جَيْشِنَا إلَى دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ بِعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ سَبِيلٌ إلَى دُخُولِ دَارِنَا وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَحِينَئِذٍ إذَا نَظَرْنَا لِلرَّمْيِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مِنْ حَيْثُ دُخُولُهُ تَحْتَ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعِ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ قُلْنَا هُوَ مِنْ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ الْمَفْرُوضِ وَنَظِيرُهُ الْعِتْقُ مَثَلًا فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَفْضَلُهَا مَنْدُوبٌ وَمِنْ حَيْثُ تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَاجِبٌ وَلَعَلَّ هَذَا التَّقْرِيرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الرَّمْيِ أَخْذًا مِنْ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَعَيْنِهِ بَلْ إنَّهُ مِنْ بَابِ إيجَابِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي خَائِفِ الْعَنَتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَفُّفُ وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّكَاحَ فِي حَقِّهِ وَاجِبٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَعَيْنِهِ بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ السَّعْيَ فِي الْإِعْفَافِ وَاجِبٌ إمَّا بِالنِّكَاحِ وَإِمَّا بِالتَّسَرِّي فَإِيجَابُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ إيجَابِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ قِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ هُنَا الْوَاجِبُ إعْدَادُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْقِتَالِ وَيُدْفَعُ بِهِ الْعَدُوُّ أَمَّا الرَّمْيُ أَوْ غَيْرُهُ وَإِذَا حُكِمَ عَلَى الرَّمْيِ بِعَيْنِهِ قِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْأَيْمَانِ]

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلَيْنِ مَرَّ بِهِمَا رَجُلٌ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا وَلَدُ فُلَانٍ وَحَلَفَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَلَدُ فُلَانٍ غَيْرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يَعْنِيهِ صَاحِبُهُ وَهُمَا جَمِيعًا يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا عَلَى الصَّوَابِ فَهَلْ يَحْنَثَانِ أَوْ لَا وَهَلْ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>