للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الصِّبْيَانِ انْتَهَتْ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِحُضُورِ الصِّبْيَانِ أَوَّلًا حُضُورَهُمْ فِي مُطْلَقِ الْمَسْجِدِ بَلْ إنَّمَا يُقَدَّمُونَ إنْ حَضَرُوا فِي خُصُوصِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُنَحَّوْنَ لِلرِّجَالِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ آيَات فَكَرَّرَ آيَتَيْنِ لِلشَّكِّ فِي مَخَارِجِ الْحُرُوفِ فَلَمْ يَقْرَأْ إلَّا أَرْبَعًا هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخَلُّف لِلْآيَتَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ التَّخَلُّفُ لِقِرَاءَةِ الْآيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِإِدْرَاكِهِ زَمَنَهُمَا خُوطِبَ بِقِرَاءَتِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِشَكٍّ وَلَا غَيْرِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَحْرَمَ وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ وَالْإِمَامُ فِي السُّجُودِ الثَّانِي وَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ أَوْ هَوَى وَجَلَسَ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ وَقَبْلَ الْقِيَامِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْمُوَافَقَةُ فِيهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَته فِي فِعْلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ تَرْكِهَا لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ أَعْنِي مَا إذَا أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ قَائِمٌ مِنْ السُّجُودِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهُوِيُّ إلَيْهِ لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ هُنَا أَيْضًا.

[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر]

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته لِمَ رَاعَوْا خِلَافَ الْقَائِلِ بِمَنْعِ الْجَمْعِ فَقَالُوا بِجَوَازِهِ دُونَ نَدْبِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُخَالِف لَا يُرَاعِي خِلَافَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَحِيحَةً وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْعُ كَثِيرًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَكَى الْغَزَالِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَاب عَلَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْجَمْعَ لَمَّا كَانَ فِيهِ إخْلَاءُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بَعِيدًا عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَلِذَلِكَ حَمَلُوا مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَكَرُّرِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ السُّنَّةِ وَرَاعَوْا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ. بَلْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا عَنْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالتَّيَمُّمُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْأَصْحَاب لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ التَّوْبَةَ وَبِقَتْلِهِ نَفْسَهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ أَكْلِهَا مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ يَنْشَأُ الِاضْطِرَارُ عَنْهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَامَ لَمْ يُضْطَرّ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَنْهُ وَأَقَرَّهُ بَيْنَ الْمُقِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَلَوْ عَاصِيًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُسَافِرِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ بِأَنْ أَكَلَهَا فِي السَّفَرِ سَبَبُهُ سَفَرُهُ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ جُرِحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمِ لِذَلِكَ الْجُرْحِ مَعَ أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَكْلَهَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْإِقَامَةَ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُور بِالسَّفَرِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ إعْوَازَ الْحَلَالِ.

وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَاب الْجَوَاز مُطْلَقًا وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا شَكَّ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ رُخْصَةٌ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الرُّخْصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي فَمَتَى كَانَ السَّبَبُ الْمُوقِعُ فِي الِاضْطِرَارِ مَعْصِيَةً كَأَنْ عَصَى بِسَفَرِهِ أَوْ إقَامَتِهِ.

وَكَانَا هُمَا السَّبَبَ فِي الِاضْطِرَارِ بِأَنْ كَانَ لَوْ تَرَكَ السَّفَرَ أَوْ الْإِقَامَةَ زَالَ عَنْهُ الِاضْطِرَارُ امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْأَصْحَاب جَوَازُ الْأَكْلِ حِينَئِذٍ وَمَتَى كَانَ السَّبَبُ لَيْسَ مُوقِعًا فِيهِ كَأَنْ فَقَدَ الْحَلَالَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَازَ الْأَكْلُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَكْلِ لَيْسَ هُوَ السَّفَرَ وَلَا الْحَضَرَ فَجَازَ وَإِنْ عَصَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ.

وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْته وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْمُضْطَرّ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عَصَى بِنَحْوِ السَّفَرِ الَّذِي نَشَأَ الْفَقْدُ عَنْهُ فَيَمْتَنِعُ وَتَارَةً لَا يَجُوز لَكِنْ خَالَفْنَا ذَلِكَ هُنَا نَظَرًا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ فَجَوَّزْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>