يَكُونُ مَعْدِنًا لِلْعَنْبَرِ مِنْ الْبِحَارِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لُقَطَةً.
وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَلَا يَكُونُ فِي الْبَحْرِ إلَّا فِي صَدَفِهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ كَانَ مِلْكًا لِوَاجِدِهِ وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ صَدَفِهِ كَانَ لُقَطَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ وَجَدَ زَمَنَ الْأَمْنِ أَمَةً مُمَيِّزَةً آبِقَةً فَأَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لِمَالِكِهَا فَهَرَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَهَلْ يَضْمَنُ، وَهَلْ الْعَبْدُ مِثْلُهَا؟ وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدُهُ ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى الْقَاضِي وَابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْعَبْدِ الْآبِقِ أَخْذُهُ لِيَرُدَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ هَرَبَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْغَزِّيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَالِكَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي: أَخْذَهُ لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَخْذُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَاكِمِ الْأَمِينِ كَمَعْرِفَةِ الْمَالِكِ حَتَّى يَجُوزُ لِلْآخِذِ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ بِالْهُرُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ عُرْضَةٌ لِلضَّيَاعِ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ لِلْحَاكِمِ، وَالْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا الْحَاكِمُ فَعَلَ الْأَصْلَحَ مِنْ حِفْظِهَا وَبَيْعِهَا، فَإِنْ هَرَبَتْ مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَا ضَمِنَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَا لَفْظُهُ: إذَا جَوَّزْتُمْ الْتِقَاطَ الْعَبْدِ الْمُمَيِّزِ فِي زَمَنِ النَّهْبِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَ مُلْتَقِطُهُ أَنَّهُ عَبْدٌ حَتَّى يَلْتَقِطَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِعَلَامَاتِ الْأَرِقَّاءِ كَكَوْنِهِ حَبَشِيًّا أَوْ زِنْجِيًّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُقِرَّ مَجْهُولٌ بَالِغٌ أَنَّهُ قِنٌّ مَمْلُوكٌ وَلَا يُعَيِّنُ الْمَالِكُ، فَلَهُ الْتِقَاطُهُ حِينَئِذٍ زَمَنَ النَّهْب لِلتَّمَلُّكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى اهـ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِهِمْ بِالْمُمَيِّزِ دُونَ الْبَالِغِ، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِالْعَلَامَاتِ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي يَظُنُّ بِهَا رِقَّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْجِعَالَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِمُعَلِّمٍ عَلِّمْ ابْنِي الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَأَنَا آجِرٌ لَك مِثْلَ مَا يُؤْجِرُ أَصْحَابِي لَك أَوْ آجِرٌ لَهُ أَجْرًا مَعْلُومًا، وَهُوَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَّمَهُ إلَى آخِرِ سُورَةِ الْمُلْكِ فَمَاتَ الِابْنُ أَوْ الْمُعَلِّمُ، أَوْ تَرَكَ الْمُعَلِّمُ التَّعْلِيمَ، أَوْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ كَمْ يَسْتَحِقُّ الْمُعَلِّمُ أَوْ وَارِثُهُ مِنْ الْأَجْرِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا جَاعَلَ إنْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ ابْنِهِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ صَحَّ، وَلَهُ فِي الْمَجْهُولَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ثُمَّ إذَا عَلَّمَهُ الْبَعْضَ فَقَطْ دُونَ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَوْتِ الْمُعَلِّمِ أَوْ الْمُتَعَلِّمِ وَجَبَ لِلْمُعَلِّمِ فِي الثَّانِيَةِ وَلِوَرَثَتِهِ فِي الْأَوْلَى الْقِسْطُ مِنْ الْمُسَمَّى الْمَعْلُومِ، وَمِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ نَحْوِ رَدِّ الْآبِقِ، وَإِنْ كَانَ لِامْتِنَاعِ الْأَبِ مِنْ التَّعْلِيمِ وَجَبَ لِلْفَقِيهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا عَمِلَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ مِنْ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي وُجُوبَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فِيمَا عَمِلَ، وَإِنْ كَانَ لِامْتِنَاعِ الْمُعَلِّمِ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْجِعَالَةِ مَتَى فَسَخَ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ إتْمَامِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ مَا عَمِلَهُ مُسَلَّمًا أَمْ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ عَبْدًا لِرَجُلٍ فَرَاحَ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِشَارَةً حَتَّى أَنَّهُ وَصَلَ سَيِّدَ الْعَبْدِ فَقَالَ أَطْلُبُ مِنْك مَا حُدَّ، وَحَدَّ بِشَارَةٍ فَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أُعْطِيكَ مَا فَادَيْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُعْلِ وَهُوَ دُونَ مَا أَرَادَ فَمَسَكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ مُمْسِكُ الْعَبْدِ بَلَغَنِي نِدَاؤُك بِذَلِكَ هَاتِ ذَلِكَ فَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ هَاتِ عَبْدِي وَأُسَلِّمُ لَك ذَلِكَ فَرَاحَ وَاجِدُ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ فَوَجَدَهُ قَدْ أَبَقَ فَهَلْ عَلَى وَاجِدِ الْعَبْدِ ضَمَانُهُ لِكَوْنِهِ حَبَسَهُ لِأَجْلِ الْجُعْلِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ: بِأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا: لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِأَجْلِ الْجُعْلِ وَأَجَابَ مُفْتٍ آخَرَ: بِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ وَاجِدَ