الْعَبْدِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ رَدِّهِ لَهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَالِكَ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَسَمِعَهُ وَاجِدُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَجِدَ الْعَبْدَ ثُمَّ وَجَدَهُ وَأَمْسَكَهُ اسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ الْجُعْلَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَالِكُ لِمَنْ رَدّ عَبْدَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاجِدُ: شَرَطْت جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، أَوْ قَالَ: شَرَطْته عَلَى عَبْدٍ آخَرَ، أَوْ قَالَ شَخْصٌ: أَنَا رَدَدْته وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ جَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ غَيْرُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ، نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي بُلُوغِهِ النِّدَاءِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّادِّ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَمَاعِ نِدَائِهِ وَإِذَا رَدَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا إنْ سَلَّمَهُ لِلْمَالِكِ، فَلَوْ رَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ فَمَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ هَرَبَ مِنْهُ، أَوْ غَصَبَهُ ظَالِمٌ مِنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ، أَوْ تَرَكَ هُوَ الْعَامِلَ وَرَجَعَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا.
نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَسَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ فَهَرَبَ اسْتَحَقَّ كَمَا فِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ، وَكَذَا لَوْ هَرَبَ الْمَالِكُ وَسَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ فَيَسْتَحِقُّ اتِّفَاقًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَشْهَدَ وَاسْتَحَقَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ رَدَّ آبِقًا أَوْ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ الرَّدِّ فَلَا شَيْءَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعْرُوفًا بِالرَّدِّ أَمْ لَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ: وَفِي ضَمَانِهِ لِمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ لِرَدِّهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَنْ انْتَزَعَ مَغْصُوبًا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ انْتَزَعَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مِنْ عَبْدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ وَاجِدَ الْعَبْدِ يَضْمَنُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمَالِكَ نَادَى عَلَيْهِ بِجُعْلٍ أَوْ أَمَرَ مَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَهَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ جَاءٍ بِهِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ هَرَبُهُ بِتَفْرِيطٍ مِنْ وَاجِدِهِ، كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ أَوْ لَمْ يَحْتَفِظْ عَلَيْهِ حَقَّ الْحِفْظِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْهُ، هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ هَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ آتٍ بِهِ إلَى الْمَالِكِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ ثُمَّ جَاءَ بِهِ إلَى دَارِه وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِحَبْسِهِ، سَوَاءٌ هَرَبَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فِي حِفْظِهِ حَتَّى هَرَبَ أَمْ لَا، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ حَبْسَهُ نَفْسَهُ تَفْرِيطٌ، وَقَدْ أَشَارَ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ إلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِمْ: أَبَقَ عَبْدٌ فَظَفِرَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ وَرَفْعِ أَمْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ أَوْ قَصَّرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ اهـ.
وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِف مَالِكَهُ يَضْمَنَهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ يَضْمَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ لِتَقْصِيرِهِ فِيهِمَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ خَطَأُ كُلٍّ مِنْ الْمُفْتِيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْجَوَابِ فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ خَطَأٌ، لَكِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرِينَ الْآنَ صَارُوا يَتَسَوَّرُونَ ذُرَى مَنْصِبِ الْإِفْتَاءِ قَبْلَ التَّأَهُّلِ لَهُ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهْدِينَا وَإِيَّاهُمْ لِسَوَاءِ السَّبِيلِ إنَّهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) عَمَّا إذَا رَدَّ الصَّبِيُّ الْعَيْنَ الْمَجْعُولَ عَلَيْهَا جُعْلٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَسْتَحِقُّهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ لَهُ خُطَّ هَذَا الثَّوْبَ وَلَكَ أُجْرَةٌ، وَلَهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ مَعَ الصَّبِيِّ عَلَى عَمَلٍ وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْإِجَارَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ فَكَانَتْ فَاسِدَةً، بِخِلَافِ الْجِعَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَمَلُ وَهُوَ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، فَلَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ وَجَبَ الْمُسَمَّى.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ لَوْ جُوعِلَ شَخْصٌ عَلَى زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَعَجَزَ عَنْ الزِّيَارَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ أَبُو قِضَامٍ: نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ أَوْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا تَبَرُّعًا قَالَهُ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا فَيَجِب لَهُ الْمُسَمَّى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِلْحَاحٍ: فَضْلُ الْمُجَاعِلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصِّيغَةِ عُمُومٌ كَمَتَى حَصَلَتْ حُجَّةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ يَدُلُّ لِصِحَّةِ فَتْوَى أَبِي قِضَامٍ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْجَعِيلَ الْمُعَيَّنَ كَالْوَكِيلِ الْمُعَيَّنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute