الْبَغَوِيّ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاق وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْهُ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ الْأَبَ دُون الِابْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَ الِابْنُ قَبْل الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الشَّطْرَ إلَى الِابْنِ لِأَنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْإِصْدَاقِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْهَدِيَّةِ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْمُعْطِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْوَلِيمَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَجِبُ إجَابَة الدَّاعِي لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ مِنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّتِنَا ضَبَطَ الْمَسَافَةَ الَّتِي تَجِبُ الْإِجَابَةُ مِنْهَا إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ احْتِمَالَانِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهُمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ الْمُبَكِّرُ مِنْهَا لَيْلًا إلَى بَلَدِهِ قِيَاسًا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَكَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلْيَجِبْ هُنَا إجَابَة الدَّاعِي إلَى الْوَلِيمَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَوْ اعْتَذَرَ إلَى الدَّاعِي فَقَبِلَ عُذْرَهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ فَسُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِهِ صَرِيحٌ فِي تَمَحُّضِ الْحَقِّ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ ابْنِ النَّحْوِيِّ لَمَّا حَكَى تَرَدُّدًا عَنْ الذَّخَائِرِ فِيمَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمَدْعُوِّ أَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِامْتِنَاعِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ فَكَلَامُهُمْ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ يَرُدُّهُ فَقَدْ قَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ إنْسَان أَنَّ صَدِيقَهُ يَرْضَى بِالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَقَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي وُقُوعُ أَمْرٍ بِحُضُورِهِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ فَإِذَا جَوَّزُوا الْأَكْلَ وَنَحْوَهُ وَالْقَضَاءَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَأَوْلَى أَنْ يُجَوِّزُوا التَّخَلُّفَ عَنْ الدَّعْوَى عِنْد غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِالتَّخَلُّفِ.
وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَعْنِي أَنَّ الضَّبْطَ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى فَهَلْ يَأْتِي هُنَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ احْتَاجَ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنْ أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ وَنَفَقَةَ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يَتَخَلَّفُ بِالْأَدَاءِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي مِنْهُ قُوتُهُ يَوْمًا بِيَوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّهَابُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنَّ أُعْطِيَ قَدْرَ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ أُجْرَتَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الشُّهُودِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَلِيمَةِ الَّذِي يُتَّجَهُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِنَّمَا نُوجِبُ الذَّهَابَ إلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَلَى قَوِيٍّ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ إذْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْوَلِيمَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِأَدْنَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيهمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِالْمَسَافَةِ الَّتِي تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْبَلَدِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مُطْلَقًا لَكِنْ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنْ لَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ وَخَارِجِ الْبَلَدِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ أَيْضًا فَإِذَا سَقَطَتْ عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْإِجَابَة عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَهُوَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَقُّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّ تِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ حَقَّ آدَمِيٍّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ فِيهِ بِالْمُسَامَحَةِ عِنْد وُجُودِ الْمَشَاقِّ لِأَنَّ الْإِخْلَال بِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الدَّاعِيَ فَكَثُرَتْ الْأَعْذَارُ فِيهِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْإِخْلَال بِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ يَلْحَقُ الْمَشْهُودَ لَهُ.
فَلِذَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَعْذَارُ فِيهِ كَثْرَتَهَا هُنَا فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْن أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْإِجَابَةِ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّ آدَمِيٍّ وَبِهَذَا اتَّجَهَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي أَقْرَبُ وَأَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ بَلْ أَقْرَبُ مِنْهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ وَهُوَ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ عِنْد كُلِّ قَوْمٍ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَإِذَا اعْتَادَ أَهْلُ نَاحِيَةٍ الدُّعَاءَ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ وَاطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِالْإِجَابَةِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ تَرْكَ الْإِجَابَةِ يُوجِبُ كَسْرًا وَقَطِيعَةً لِلْمَدْعُوِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute