للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْقَوِيِّ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا مَاله وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ لَوْ اعْتَادُوا عَدَمَ الدُّعَاءِ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ وَإِنْ سَمِعَ الْخَارِجُونَ النِّدَاءَ لَمْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ التَّفَرُّجِ أَيَّامَ الزِّينَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ حُرْمَةُ سَتْرِ الْجُدْرَانِ بِالْحَرِيرِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ فَعَلُوهُ أَيَّامَ الزِّينَةِ اخْتِيَارًا حُرِّمَ التَّفَرُّجُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ إكْرَاهًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ لِإِبَاحَتِهِ فَلَيْسَ فِي التَّفَرُّجِ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَعَلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ إفْتَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ التَّفَرُّجِ وَالنَّظَرِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ قَرَاطِيسِ الْإِفْرِنْجِ هَلْ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ فِيهَا أَوْ لَا لِمَا فِيهَا مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ وَهَلْ يَجِبُ قَطْعُ مَحَلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ سَبَرْتُ الْآنَ مِنْهَا جُمْلَةً فَلَمْ أَرَ فِيهَا صُورَةَ حَيَوَانٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَالْخَتْمِ فَعِنْد تَحَقُّقِ مَا فِيهَا غَيْر صُورَةٍ الْأَمْرُ وَاضِحٌ وَكَذَا عِنْد الشَّكِّ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَأَمَّا عِنْد تَحَقُّقِ أَنَّ مَا فِيهَا صُورَةٌ فَالْوَجْهُ الْحِلُّ أَيْضًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا اسْتِعْمَالَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَقَالُوا أَنَّهُ مُمْتَهَنٌ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْوَرَقِ اسْتِعْمَالٌ لَهُ بَلْ لَا اسْتِعْمَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ جَائِزَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِهَانِهَا عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوا جَوَازَ حَمْلِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ أَرْضِهِمْ وَعَلَيْهَا صُورَةُ حَيَوَانٍ حَقِيقَةً يَقِينًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَانَتْ تُجْلَبُ مِنْ عِنْدِهِمْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ أَيْضًا وَلَمْ يَنْهَوْا عَنْ حَمْلِهَا فِي الْعِمَامَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا النَّقْدِيَّةُ لَا تِلْكَ الصُّورَةُ وَلِتَعَذُّرِ إزَالَتِهَا أَوْ تَعَسُّرِهِ وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَجَوَازُ الْكِتَابَةِ فِي الْوَرَقِ الْإِفْرِنْجِيِّ أَوْلَى وَإِنْ تُحُقِّقَ أَنَّ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ.

(وَسُئِلَ) هَلْ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا أَمْ لَا وَمَا مَعْنَى خَبَرِ «مَا مَلَأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» وَخَبَرِ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْد الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَوْ سَمِعَ بُقْرَاط بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ سِوَاهَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالثُّلُثِ فِي كُلٍّ الْحَقِيقَةُ أَوْ التَّقْسِيمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ ظَاهِرُ الْخَبَرِ الْأَوَّل لَكِنَّ الثَّانِي أَظْهَرُ وَقَدْ صَحَّ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ أَيْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمُصْرَان وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ أَيْ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلُ مِنْ الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِبَادَةِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَكْلِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهَا لَا غَيْرَ وَمِنْ شَأْنِ الْكَافِرِ التَّكَثُّرُ مِنْهُ لِغَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرْنَا بِمَا مِنْ شَأْنِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُكْثِرُ وَبَعْضُ الْكُفَّارِ قَدْ يُقَلِّلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالِاقْتِنَاعُ بِالْبُلْغَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْبَسْمَلَةِ فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيه الْقَلِيلُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَامِلُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ كَمَالَهُ يَسْتَلْزِمُ إشْغَال الْفِكْرِ فِيمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَمَا بَعْده فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِرْسَالِ نَفْسِهِ فِي شَهَوَاتِهَا وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَلَّ مَطْعَمُهُ وَمَنْ قَلَّ تَفَكُّرُهُ كَثُرَ مَطْعَمُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ» وَقَالُوا لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ مِعْدَةً مُلِئَتْ طَعَامًا وَمَنْ قَلَّ طَعَامُهُ قَلَّ مَشْرَبُهُ وَخَفّ مَنَامه وَمَنْ خَفَّ مَنَامُهُ ظَهَرَتْ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ بَطْنُهُ كَثُرَ شُرْبُهُ فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ فَتُمْحَقُ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ اكْتَفَى بِدُونِ الشِّبَعِ حَسُنَ اغْتِذَاءُ بَدَنِهِ وَصَلُحَ حَالُ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ مِنْ الطَّعَامِ سَاءَ غِذَاءُ بَدَنه وَأَشِرَتْ نَفْسُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَهْل الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا فِي الْآخِرَةِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «لَمْ يَمْتَلِئ جَوْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّعَا قَطُّ» أَيْ شَبَّعَا مَذْمُومًا وَهُوَ مَا يُثْقِلُ الْمَعِدَةَ وَيُثَبِّطُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>