للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إلَى الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَالنَّوْمِ وَالْكَسَلِ.

وَقَدْ يُحَرَّمُ الشِّبَعَ إنْ أَضَرَّ أَوْ كَانَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَوْ يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَأَمَّا الشِّبَعُ النِّسْبِيُّ الْمُعْتَادُ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ خُرُوجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ مِنْ الْجُوعِ وَذَهَابِهِمْ إلَى بَيْتِ الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحِهِ الشَّاةَ وَتَقْدِيمِهَا مَعَ الرُّطَبِ وَفِيهِ فَلَمَّا أَنْ رَوَوْا وَشَبِعُوا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ الشِّبَعِ وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ اهـ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ مَرَاتِبِ الشِّبَعِ وَمِنْ شَأْنِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُثْقِلُ وَلَا يُكَسِّل وَكَرَاهَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُثْقِل مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِلَّا حُرِّمَ كَمَا مَرَّ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَمْتَلِئْ بَطْنُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ طَعَامَيْنِ كَانَ إذَا شَبِعَ مِنْ التَّمْرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ الشَّعِيرِ وَإِذَا شَبِعَ مِنْ الشَّعِيرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ التَّمْرِ» وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ دَائِمًا لَا يَجْمَعُ بَيْن نَوْعَيْنِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنه» (تَنْبِيه) عِنْد أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ ثُمَّ الصَّائِمُ ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفُهُ الدُّبْرُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنَ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ فِي قَوْلِهِ

سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِيٍّ ... مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعَ صَائِمٍ

ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قُولُونُ مَعَ ... الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكِ الْمَطَاعِمِ.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ هَلْ جَوَازُ الْأَخْذ بِعِلْمِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَمْ مَخْصُوصٌ بِطَعَامِ الضِّيَافَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ غَيْر مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَمَتَى غَلَبَ ظَنُّهُ أَنَّ الْمَالِكَ يَسْمَحُ لَهُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ ثُمَّ إنْ بَانَ خِلَافُ ظَنّه لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا.

(وَسُئِلَ) عَمَّا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ هَلْ هُوَ صَحِيحُ وَمَا سَلَفُهُ نَقْلًا وَدَلِيلًا فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ عِبَارَتِهِ عَلَى أَنَّ بِهَا لَفًّا وَنَشْرًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ سَلَفُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَتِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْل الْأَكْلِ أَدَبٌ وَغَسْلَ الْفَمِ بَعْده كَذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ إيهَامُ أَنَّ غَسْلَهَا بَعْده لَيْسَ أَدَبًا لِلْعِلْمِ بِالسُّنِّيَّةِ وَاشْتِهَارِهَا مَعَ دَلِيلِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ الشَّامِلِ لِمَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ مَا يُفْهِمُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ غَسْلَ فَمِهِ وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ حِكْمَةَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْل احْتِمَالِ مُبَاشَرَتِهِمَا لِأَذَى يُشَوِّشُ.

وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْفَمِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ أَكْثَرُ وَأَسْرَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْيَدَيْنِ وَأَنَّ الْيَدَ يُبَاشِرُ بَعْضُهَا دَاخِلَهُ بِوَضْعِهَا اللُّقْمَةَ فِيهِ فَسُنَّ غَسْلُهُ لِتَطِيبَ النَّفْسُ بِوَضْعِ مُمَاسِّهِ فِي الطَّعَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا غُسِلَتْ الْيَدُ دُون الْفَمِ فَإِنَّ النَّفْسَ مِنْ ثَانِي لُقْمَةٍ تَعَافُ عَوْدَ الْيَدِ لِلطَّعَامِ بَعْد مُمَاسَّتِهَا لِدَاخِلِ الْفَمِ الَّذِي تَقَرَّرَ كَثْرَةُ تَغَيُّرِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ.

فَاتَّضَحَ أَنَّ غَسَلَ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِقْهٌ ظَاهِرٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا إذْ بِفَرْضِ عَدَمِ ذِكْرِ أَحَدٍ لَهُ هُوَ مَقِيسٌ بِالْأَوْلَى عَلَى غَسْلِ الْيَدِ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْمُنَازَعَةُ فِيهِ بَعْد ظُهُورِ ذَلِكَ وَتَوْضِيحُهُ مُكَابَرَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يُفَرَّقُ بَيْن الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ فِي الْعَبِّ وَالْمَصِّ وَمَا حِكْمَةُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَاءُ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمَصُّ وَأَنْ يَشْرَبَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلٍّ وَيَحْمَدُ آخِرَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُدَرِّجَهَا بِأَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَقَلَّ وَالثَّانِيَةُ أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِي حَاجَتَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ لِنِيَاطِ الْقَلْبِ مَوْضِعًا رَقِيقًا لَطِيفًا فَإِنْ جَاءَ الْمَاءُ دَفْعَةً وَاحِدَةً رُبَّمَا قَطَعَهُ فَمَاتَ صَاحِبُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَيْضًا إذَا جَرَعَهُ جَرْعًا وَاسْتَوْفَى رَيَّهُ مِنْهُ نَفَسًا وَاحِدًا تَكَاثَرَ الْمَاءُ فِي مَوَارِدِ حَلْقِهِ وَأَثْقَل مَعِدَتَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْكُبَادَ أَيْ وَجَعُ الْكَبِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>